استخلف الإنسان فى الأرض من أجل إعمارها، ولذلك كان المعمرون أكثر الناس إيمانا، وكانت مصر منذ جذور التاريخ الأولى مضرب الأمثال على إعمار الأرض، وسجل القرآن الكريم ذلك فى قول الله تعالي: “ كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ”. وها هم المصريون أرادوا استعادة ما كان عليه الأوائل بافتتاح قناة السويس الجديدة فى خطوة غير مسبوقة على أعمار الأرض. وفى ظل حالة البناء والأعمار يصدمنا حادث غرق مركب “ الوراق “ كدليل على الإفساد والتخريب والإهمال فى العمل. وحذر علماء الدين من ظاهرة الإهمال والتقصير فى العمل، والتى أصبحت سببا فى حصد أرواح الكثير من الأبرياء، والتى كان آخرها حادث غرق أحد المراكب بنهر النيل. وطالبوا بضرورة تشديد العقوبات، على كل من يثبت أنه قصر فى حماية أرواح الأبرياء، ووجه العلماء رسالة لكل مواطن بضرورة أن يخلص فى عمله، وأن يبذل أقصى جهد، من أجل رفعة الوطن، فمصر اليوم فى حاجة لعرق الشرفاء المخلصين، لأن الإهمال جريمة فى حق المجتمع، والتقصير فى العمل يتنافى مع تعاليم الشريعة الإسلامية. وأكد العلماء أن مشروع قناة السويس الجديدة نموذج للتحدى والعزيمة، فالمشروع تم انجازه فى عام واحد، بجهد وعرق الشرفاء من أبناء الوطن المخلصين، ولابد أن يسود هذا النموذج فى الإخلاص والتحدى فى جميع هيئات ومؤسسات الدولة، وأن نستفيد من هذه التجربة الفريدة، بأن يخلص كل إنسان فى عمله، ويدرك أن العمل أمانة ومسئولية سوف يحاسب عليها من حملها. ووجه الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية، رسالة لكل مواطن، بضرورة الاجتهاد فى العمل، مهما يكن هذا العمل، فكل إنسان فى موقعه عليه أن يبذل أقصى جهد، ويتقن عمله، ويساعد على قضاء حوائج الناس، ولا يكون سببا فى تعطيل مصالح المواطنين أو ضياع الوقت، فنحن فى حاجة لكل جهد وكل وقت للنهوض بالمجتمع، فالأمة لن تنهض دون عمل وإخلاص، ولابد من محاربة كل صور التقصير والإهمال، لأنه من غير المعقول أن يكون هناك من يخلص ويجتهد، وهناك من يتراخى فيقضى على جهد الآخرين. وأكد الدكتور أبو طالب أن ما نشاهده من حوادث خطيرة، تمثل نتيجة طبيعية للإهمال والتقصير والتراخي، فالمشكلات التى تنتج عن الإهمال فى العمل، تؤدى إلى المشكلات ذاتها التى تؤدى إليها جرائم العمد، ومن هنا يجب التشديد فى عقوبة الإهمال فى العمل، لمواجهة كل السلبيات التى تؤثر على نهضة الأمة وتقدمها. مسئولية وأمانة وقال الدكتور محمد محمود أبو هاشم، نائب رئيس جامعة الأزهر، إن الإسلام حث على الإخلاص فى العمل، والنبى الكريم صلى الله عليه وسلم يقول فى الحديث الشريف “أخلص العمل فإن الناقد بصير”، والإسلام يأمر المسلم بأن يكون إيجابيا فى شتى المجالات، ويتضح ذلك من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان”، والحديث الشريف يؤكد أن المسلم مكلف أولا أن يمنع أى أذى عن الناس، وبعد ذلك يمد يد العون لكل الناس، وفى ظل الظروف التى يمر بها الوطن حاليا، لابد من الإخلاص فى العمل، لأن حب الوطن يعنى تحمل المسئولية وأداء الأمانة، وبذل العرق والجهد لتحقيق التنمية والرخاء، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول” إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها صلاة ولا صيام، ولكن يكفرها السعى على المعاش”، وكما قال صلى الله عليه وسلم “ من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له “. أشد أنواع الفساد وفى سياق متصل يقول الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق، إن الإهمال فى العمل نوع من الفساد، بل هو أشد أنواع الفساد، لأن الإهمال فى العمل يترتب عليه كثير من المشكلات والمصائب والجرائم والخطايا، وقد يصل لحد الهلاك لبعض الناس، مشيرا إلى أن كل إنسان يتحمل المسئولية فى عمله، وعليه أن يؤدى هذه المسئولية على أكمل وجه، ولا يقصر فى أداء هذا الواجب، لأن التقصير قد يؤدى لكارثة كبرى فى المجتمع، وقد ينهى حياة أسر كاملة، فسائق القطار حين يقصر فى عمله، قد يقتل أرواحا بريئة، ولذلك لابد أن يدرك كل إنسان فى عمله، أنه مؤتمن على من يتحمل مسئوليتهم، أما الاستهتار فهو يتنافى مع تعاليم الشريعة الإسلامية، التى تأمر المسلم بأن يعمل ويجتهد، وأن يؤدى الأمانة، والحق سبحانه وتعالى يقول “ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَي أهلها وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ”، وليست الأمانة بأن يكون للإنسان مال وترده له فقط، لكن الأمانة تتمثل فى كل ما يكلف به الإنسان، وفى كل الأعمال التى يؤديها، وكل من يقصر ولا يؤدى الأمانة ويتلاعب بأرواح الأبرياء، لابد أن يحاسب حسابا عسيرا، كى يكون عبرة لكل من تسول له نفسه أن يتسبب فى ضرر الآخرين أو قتل الأبرياء نتيجة للإهمال والتقصير والتراخى . القناة الجديدة نموذجا وطالب الشيخ عاشور بضرورة أن ننظر لمشروع قناة السويس الجديدة، والتى سوف تفتتح بعد أيام، وأن ندرك قيمة هذا العمل، الذى تم بجهد وعرق المخلصين من أبناء هذا الوطن، وقد كان هذا المشروع مقدرا له أن يستغرق ثلاث سنوات، ولكن تم الانتهاء منه فى عام واحد، ليكون نموذجا يحتذى فى ضرورة العمل والاجتهاد ليل نهار، لخدمة الوطن ومن أجل رفعة الأمة، فالشريعة الإسلامية تأمر الإنسان بالعمل والاجتهاد، أما الكسل والتراخى فيؤديان لتراجع الإنتاج ويعطلان مسيرة الوطن، وكل ذلك يخالف تعاليم الإسلام، مشيرا إلى أن سور القرآن الكريم حافلة بعشرات الآيات التى تدل على قيمة وأهمية العمل، وضرورة الإخلاص والاجتهاد، والحق سبحانه وتعالى يقول” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ “، فكل عمل يصنع تقدما للأمة ويحافظ على مصالح الناس ويبنى حضارة، هو عمل صالح ينبغى أن يجتهد الإنسان فيه.