هل هى صدفة أن يصبح «محور الشر» صديقا حميما ل«لشيطان الأكبر» بين عشية وضحاها؟..وهل هى صدفة أن تبدأ أمريكا هذه الأيام دعم تعميق قناة بنما وتستأنف إسرائيل دراسات وصل ميناء إيلات بالبحر الميت و بخط سكة حديد ينتهى على المتوسط، وتستميت ايران فى الدفاع عن سوريا وأنا معها فى هذا الموقف حبا فى سوريا لذاتها لإحياء خط سكة حديد بغداد ثم الخليج «الفارسى»؟.. القناة هى سر «الصربعة» فى الاتفاق النووى 5+1.. وهى أيضا ًسر المفاجأة المصرية بحفر قناة السويس الجديدة فى عام واحد فقط.. ولكن كيف؟ فليس صحيحا ما يدعيه أوباما داخليا وخارجيا أن الاتفاق النووى مع إيران «5+1» حمى العالم من شرور أحد أقطاب محور الشر وحمى دول الخليج من تمدد الثورة ، ولم يعد ينطلى على أحد الكذبة الأمريكية بأنها احتلت بغداد لكى تحمى المنطقة من شرور الثورة الايرانية، بعد أن شاهدنا أمريكا تسقط صدام لكى تهدى العراق كله ملعبا لإيران فى نهاية فترة الحضانة التى وفرتها واشنطن لنضج إيران تحت« الشاه الجديد» فى المنطقة لتكون شرطى البترول القادم ومفتاح نجاح الديموقراطيين فى الانتخابات القادمة..وربما يشرب أوباما والمرشد نخب القناة الجديدة معاً! وليس صحيحا أيضا ما يدعيه المرشد فى طهران والرئيس روحانى ووزيره "الظريف" من أنهم نجحوا فى انتزاع اعتراف الشيطان الأكبر أمريكا بشرعية ثورتهم وحقهم فى تصنيع وحيازة السلاح النووى تحت ستار الأغراض السلمية فهو حق لهم ولغيرهم فى مواجهة العبث الأمريكى مستخدمة جيوش ودواعش التطرف المؤجرة! لكن الصحيح والمفاجأة فى رأيى المتواضع أن نجاح ثورة 30 يونيو التى «هزت الشرق بحاله وديانه ويا جباله» هو الذى لخبط الأوراق وعجل باتفاق 5 +1 لمواجهة مشروع مصر الأول قناة السويس الجديدة..! كان هذا المشروع فعلا مفاجأة لخبطت لكل أوراق المصالح الدولية فى المنطقة، فقد توقع الجميع قبل أقل من سنة أن مشروع السيسى لتنمية إقليم قناة السويس سيتم على طريقة مرسى الذى بدأ بحظر التجوال فى مدن القناة الثلاث .. وباستخدام حقه الدستورى فى التنازل عن "أرض" لمصلحة الوطن، لكننا والعالم كله فوجئنا يوم 4 أغسطس الماضى أن مشروع "السيسى" لتطوير المنطقة يبدأ بحفر قناة سويس جديدة ..وبأموال مصرية، وأن القناة الجديدة ستكون هدية مصر للملاحة العالمية، وأن حفر هذه القناة لا يجب أن يستغرق أكثر من عام.. معقول .. هذا الشعب الذى «يزرع القمح فى سنين فتطلع الكوسة فى ثوان» سيحفر قناة بطول 70 كيلومتر فى سنة، بدلا من 5سنوات! شخصيا.. انقطع نفسى فى التنقيب عن سر استعجال الرئيس فى حفر مشروع قناة السويس الجديدة، خاصة بعد أن قرأت فى مذكرات أحمد شفيق باشا إن عمنا سعد زغلول كان وزيرا ومتحمسا فى الحكومة التى نصحها المندوب السامى عام 1908 أن تطلب مد امتياز استغلال الشركة العالمية لقناة السويس 40 سنة أخرى بعد عام 1968، وان المناضل الوطنى العظيم محمد فريد بلع طعم الاحتلال الإنجليزى وأبدى استعداده للتنازل عن حق مصر فى القناة مقابل الاستقلال، وهو ماحدث بعد تصريح 28 فبراير 1922الذى منحها الاستقلال التام وعدم الموت الزؤام مقابل الوجود الانجليزى فى قناة السويس.. لكن لماذا ألحت بريطانيا لمد امتياز القناة 40 سنة أخرى قبل انتهائه ب60 سنة ؟!.. الإجابة فى كتاب لمؤلف بريطانى الثقافة روسى الجنسية مصرى الهوى والغرام، اسمه تيودور رتشتين عنوانه «خراب مصر» يقول فيه: أن الديون التى تراكمت على اسماعيل ومصر بسبب القناة وغيرها هى التى عجلت وكانت المبرر باحتلال مصر، وأن احتلال مصر والسودان معا كان لضمان البقاء فى القناة الى الأبد، ولهذا الغرض تعجلت فى طلب مد امتياز الشركة العالمية قبل نهايته ب60 سنة لتستفيد من نتائج أعمال التوسيع والتعميق وارتفاع أسعار أسهمها، وحينما فشل المشروع فى الحصول على موافقة أعضاء الجمعية التشريعية بقيادة طلعت حرب وغيره من الاقتصاديين الوطنيين ذوى الرؤية، سارت الأمور فى اتجاهين متعارضين: طلعت حرب والذين معه سارو فى طريق استقلال الاقتصاد الوطنى، وسارت قوى الاحتلال والمؤامرة على مصر تجاه إضعاف عائد مشروع القناة، بتخفيض الرسوم وطلب بحث جعل المرور بالقناة مجانا ثم بتشجيع وسائل نقل بديلة مثل قناة بنما، وخط سكة حديد سيبيريا، وسكة حديد أخرى لربط بغداد وضفاف الخليج «الفارسى» بموانى المتوسط ، ولم يبقى كما يقول المؤلف إلا فتح طريق للنقل عبر الهواء، الخلاصة التى اكتشفها المؤلف عام 1910، وقبل اتفاق 5+1بنحو 115 سنة: أنه إذا تقدمت المؤامرات والبدائل التى تؤثر على ملائمة قناة السويس للتجارة العالمية، تقدمت معها أساليب مواجهة المصريين لهذه التحديات، حتى فىظل الحروب والثورات، ويضيف المؤلف الروسى «حتى الحروب لن تفلح فى ثنى المصريين عن حقهم الكامل فى موارد القناة فى قادم الأيام، ولو رجعنا الى الاحصاءات نجد أنه كلما اشتدت ريح الحوادث واشتعلت نيران الحروب زاد إيراد القناة عن مثله فى أوقات السلم والصفاء»! وتعلق المصريين بالقناة جسده الشاعر العبقرى اسماعيل الحبروك، ترك القاهرة كلها تحترق فى يناير عام 1952 وراح يقول: سأنام حتى لا أرى.. وطنى يُباع ويُشترى / ولمن يُباع ومن يبيع.. انجلترا لانجلترا/سأنام حينها يا رفاق.. كى لا أرى شعبى يُساق/ لعناق قاتله العزيز.. ويشرب نخب الاتفاق! والاتفاق الذى حذر منه كان يقضى بأن تنسحب انجلترا من مصر والسودان ويتركون لها القناة، .. فهمت الآن لماذا تعجل الرئيس السيسى فى المفاجأة بالمشروع، ولماذا أصر على تمويله بأموال المصريين، حتى يكونوا هم الطرف الذى يشترى وهم من يبيع، فمسئولية الزعيم ليس الحصول فقط على ثقة الشعب ولكن إعادة ثقة الشعب فى نفسه وقواه الكامنة! لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف