انتظرت أكثر من أسبوع على أمل رؤية موقف قوى من الأزهر وشيخه يتناسب وصدمة نتائج الثانوية الأزهرية المفاجئة، التى لم تتجاوز نسبة النجاح فيها 28%، وغضب أولياء الامور الذين ابدوا حسرتهم وضياع أموالهم فى الدروس الخصوصية، واحتجاج الأزهريين أمام المشيخة، للمطالبة بإعادة تصحيح أوراق الإجابات، وتمخض الانتظار عن تصريحات لوكيله الدكتور عباس شومان، زف فيها البشرى بأن النتيجة أولى ثمار الإصلاح داخل المؤسسة العريقة التى تصدت بحسم وحزم لداء الغش المستشرى بين الطلاب، وهو ما أدى لقلة عدد الناجحين. كنت أتوقع ألا تمر النتائج مرور الكرام، وأن يبادر الأزهر، الذى نقدر له شجاعته وصراحته، بفتح تحقيق عاجل فى الموضوع وعرض حصيلته على الرأى العام، وبيان سبب الصمت على الغش طوال الأعوام المنصرمة، فالقضية لا تخص الأزهر بمفرده، وإنما المجتمع بكامله والذى يحق له معرفة الحقيقة وخبايا القصة دون نقصان ولا تجميل لماذا؟ لأن تعداد المنضوين تحت مظلة التعليم الأزهرى نحو مليونى طالب يتعلمون فى قرابة عشرة آلاف معهد، ويشكلون ثلث تلاميذ مصر تقريبا، وهى نسبة لا يستهان بها. الأخطر أن مهمتهم - طلاب الأزهر - المستقبلية تتلخص بحكم دراستهم وتكوينهم فى إرشاد الناس لمكارم الأخلاق، وتقويم السلوكيات المعوجة الضارة بالمسلم وبالوطن، وتعميق صلة المسلمين بأصول وقواعد الإسلام الوسطى الحنيف، ومحاربة دعاة التطرف والتكفير والحض على البغض والكراهية والوقوف فى وجههم بالحجة والبرهان الدامغ. بالله عليك كيف سيقومون بواجبهم على الوجه الاكمل والسليم، ومعظمهم ينجح بالغش والتدليس، فالضعف يعتريهم ويجعلهم غير مؤهلين لتعديل وتغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة والشاذة عن الإسلام لعدم استطاعتهم التحصيل والتمحيص وإعمال العقل، وإن أشار احدكم إلى أن الغش ظاهرة عامة، فردى أنها فعل بغيض ومذموم على وجه العموم، لكن لا يمكن التماس العذر باللجوء إليه ممن يتلقون تعليما دينيا ويفترض إعدادهم ليصبحوا دعاة مستنيرين يُعهد إليهم تجديد الخطاب الدعوى بالمنطق والحجة. ودعونا نقر بأنه سيكون من العبث وسوء التقدير توقع نجاح مساعينا لتجديد الخطاب الدعوى على المدى القريب، إذا كان ذلك هو المستوى الحقيقى لطالب الأزهر، فالحديث عن التجديد سيكون بلا طائل ولا عائد مع ضعف المستوى العلمى والفقهي، فالشروط والمقومات الواجب توافرها فيمن يتولى هذه المهمة الخطيرة والدقيقة غير موجودة، وفاقد الشيء لا يعطيه. وربما ادركنا الآن السر فى غزو السلفيين للمساجد التابعة لوزارة الأوقاف وسيطرتهم عليها منذ فترة ليست بالقصيرة، ومعهم مشايخ بث الفتنة باسم الجهاد ضد المجتمع وتكفير الحاكم والحكومة ومن يؤازرهم، فهؤلاء نفذوا من ثغرة المستوى العلمى والفقهى المتواضع لكثير من الائمة الأزهريين، ومما يحزن ويؤلم أن بعض خريجى المعاهد الأزهرية يؤمنون ويتبنون تلك الأفكار الهدامة لتأثرهم بما تلقوه فى المناهج المقررة عليهم وتتضمن افكارا قد تحولهم مستقبلا إلى دواعش بأسرع مما يتخيل المرء. ضعف المستوى لم يكن من نصيب الطالب وحده لكنه يشمل المدرس فطبقا لشهادات العديد من المسئولين بالأزهر فإن المدرس الأزهرى لا يجهز بالصورة اللائقة العصرية، وبعضهم يدرسون موادهم طبقا للمنهج القديم ، والموجهون لا يكتشفون ذلك لانهم لا يتابعون بأنفسهم ما يحدث من تغيير، بناء عليه فإن آليات الرقابة والمتابعة لا تعمل بالكفاءة والسرعة اللازمة، مما يفتح المجال أمام التكاسل والاهمال والاكتفاء بتسويد خانات الحضور والانصراف دون القيام بجهد يؤسس لإخراج اجيال واعية مستنيرة. ومن ثم فإن طرفى المعادلة التعليمية بالأزهر لا يقفان على اساس ثابت يسهم فى التحديث والتطوير سواء لأساليب التعليم أو المناهج التى يحتاج الكثير منها لتنقيتها مما تتضمنه من روايات وحكايات تفرز التشدد ورفض الآخر وتشجع على العنف. إن الأزهر فى مأزق صعب يحتم على قياداته التدبر والتفكير العميق، للاهتداء لسبيل يخرجه منه سليما معافى، واقترح أن تكون البداية من تحديد هوية التعليم الأزهري، فالتلاميذ يدرسون المناهج المقررة على طلاب التعليم العادى، ومعها المناهج الشرعية، فكم ما يدرسونه يعد ثقيلا يبدد طاقاتهم ويشتت تركيزهم ويجعلهم فى هم وضيق دائم، محصلة ذلك تكون عدم القدرة على الاستيعاب والاستفادة من المقررات التعليمية والدينية وبعض الطلاب تتولد لديهم كراهية للتعليم الأزهرى بأسره وتحت الضغط تسارع العائلات إلى نقل أولادهم لمدارس التربية والتعليم، خصوصا فى المرحلة الثانوية، وخلال العام الماضى تم تحويل 36 ألف طالب وطالبة من المعاهد الأزهرية. فإما أن يتحدد الغرض والهدف من التعليم الأزهرى بتخريج دعاة على دراية واسعة بعلوم الدين وفروعه بدراسة مناهج دينية بحتة دون إثقال كاهلهم بالرياضيات والفيزياء وخلافه، وإن كانت هناك حاجة لتفتيح مداركهم على مستجدات العصر فليكن بتعليمهم اللغات الأجنبية، وتحفيزهم على الاطلاع والقراءة فى النواحى والمجالات الثقافة المختلفة. والبديل الثانى أن يصبح التعليم الأزهرى جزءا من التعليم العام ويتبع وزارة التربية والتعليم بالتنسيق مع الأزهر، ولن يضر الأزهر الشريف من الإقدام على مثل هذه الخطوة مع علمى أنه ينظر الى إدخال مناهج التعليم العام بالمعاهد الازهرية على أنه من مكاسب الحركة الاصلاحية التى تزعمها وكافح لأجلها طويلا العالم الجليل محمود شلتوت شيخ الازهر الراحل وبدأ تطبيقها منذ مطلع ستينيات القرن العشرين . إن محنة التعليم الأزهرى فى مجملها تعد جزءا من أزمة التعليم فى المحروسة، وهو ما يستلزم العمل بلا هوادة لصياغة نظام تعليمى جديد يوفر للأمة احتياجاتها من الكفاءات والمهارات والعقول المستنيرة المتفتحة. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي