أيام قليلة وتبدأ الدراسة بالمعاهد الأزهرية التى ينتظر طلابها منهجا فقهيا جديدا لأول مرة فى التاريخ المعاصر، وذلك بعد أن انتهت اللجنة التى شكلها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، من صياغة منهج فقهى جديد للمرحلة الإعدادية. هل جاءت مبادرة الطيب، بتعديل المناهج الدينية فى المعاهد استجابة لما تداولته وسائل الإعلام مؤخرا حول بعض المسائل الفقهية فى الكتب التى تدرس بالأزهر ولا تتماشى مع روح العصر وتخالف منهج الوسطية وتدعو فى بعض الأحيان إلى التمييز الدينى وتكرس للتشدد والغلو فى الدين، كما يعتقد البعض ؟! أم أنها ضرورة عصرية كما يرى الأزهريون، خاصة بعد إقدام العديد من أولياء الأمور مؤخرا على تحويل أبنائهم من المعاهد الأزهرية إلى مدارس التربية والتعليم بسبب كثافة المناهج التى لا تتلاءم مع قدرات الطلاب؟ أم أن التحديات الراهنة التى تشهدها مصر على مختلف الأصعدة الفكرية والسياسية والاجتماعية هى التى فرضت على شيوخ الأزهر فتح باب التجديد والتنقيح فى الفقه الإسلامى الذى يدرسونه لطلابهم؟ وما هى معايير وضوابط تغيير وتنقية المناهج الأزهرية؟
مبادرة أزهرية فى البداية ينفى الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، أن تكون تلك المبادرة استجابة لما تداولته بعض وسائل الإعلام ويقول: لجان إصلاح التعليم تعمل منذ سنة ولا علاقة لعملها بما أثير مؤخرا، وليس الإعلام هو من سيرسم خريطة المناهج الأزهرية لاسيما والجميع يعلم أن الشبهات المثارة مقصودها التشويه والافتراء ومعظمها ليس بالمناهج أصلا. وأضاف: إنه تم اتخاذ خطوات كبيرة فى هذا الشأن، وقامت لجنة إصلاح التعليم قبل الجامعى الخاص بالمعاهد من بداية المرحلة التمهيدية وحتى الثانوية بإعادة دراسة المناهج وبيان الملاحظات عليها، وانتهينا من المرحلة الأولى من تقييم الخبراء المختصين، وسيتم عرضها على المجلس الأعلى للأزهر، فإذا وافق عليها سيتم تنفيذ تلك القرارات، ومنها تخفيف عدد المناهج، ودمج مواد ببعضها بعد حذف الحشو منها، حتى لا يكون الفرق كبيرا فى عدد المواد بين التعليم الأزهرى والعام، وأيضا سيتم حذف بعض القضايا واستبدالها بقضايا معاصرة مثل ظاهرة الإلحاد، والتكفير، مع الحفاظ على تراث المناهج التى تجمع بين الأصالة والمعاصرة. كما تشمل خطة التطوير أيضا النهوض بالمعلم، وذلك بالاستفادة من المدرسين الذين يحملون درجات الدكتوراه، ولا مجال لاستيعاب الجامعة لهم، فنحاول الآن تحديث القيادات من شيوخ المعاهد ورؤساء المناطق الأزهرية، وتم إلغاء مسألة الأقدمية كعنصر من عناصر الترقى. وأكد أن العام الدراسى الجديد سيشهد تدريس بعض المناهج الجديدة التى تم الانتهاء منها بالفعل، إذا تم الانتهاء من طباعتها فى الوقت المناسب، أما العام الدراسى القادم 2015-2016، فسيكون أنجزت فيه جميع المناهج وتطبيقها كلها بالفعل، وهذا العام سيتم تطبيق نظام الفصل الدراسى الترم فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وسوف يساعد ذلك فى تخفيف العبء الدراسى كثيرا عن أبنائنا، ونأمل أن تجعل هذه التغيرات التعليم الأزهرى جاذبا لا طاردا، كما نأمل أن يكون هؤلاء الأبناء باكورة جيل يتخرج من معاهدنا الثانوية مسلحا بعلم حقيقى لا غش فيه ولا تزييف. وأعرب عن أمله أن تشهد السنوات المقبلة تحولا عكسيا فى اتجاه التحويلات من المعاهد لتكون إليها، بعد تطبيق المناهج والنظم الجديدة والتنسيق مع التربية والتعليم وتوحيد معايير القبول والتحويل، ولذا فلن يتم قبول تحويل أى طالب بعد الصف الثانى الإعدادي، ولن يتم التحويل من أو إلى المعاهد حتى لطلاب ما قبل الثالث الإعدادى لو كان ذلك يؤثر على الكثافة العددية لفصول المعهد. كتب فقه جديدة علماء الأزهر من جانبهم يباركون تلك الخطوة ويطالبون بضرورة أن يشمل هذا التطوير المعلم نفسه بعمل دورات تدريبية مكثفة، ويطالب الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف وعضو اللجنة بتعديل مناهج الأزهر، مؤكدا أن بعض المناهج التى تدرس لطلاب الأزهر تحتاج إلى جراحة سريعة فى بعض الموضوعات والجزئيات، لافتا إلى اهتمام شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بضرورة إصلاح المناهج الدراسية بالأزهر، مدللا على ذلك برئاسة شيخ الأزهر لاجتماعات لجنة إصلاح التعليم. وأكد وزير الأوقاف، أن لجنة إصلاح التعليم بالأزهر أقرت ضرورة حذف بعض الجزئيات والموضوعات التى كتبت فى ظروف معينة وناسبت عصرها وزمانها وبيئتها، وتلك الموضوعات لم يعد طرحها مناسبا فى الوقت الحالي، مؤكدا أن المناهج الدراسية لطلاب الأزهر ستشهد تعديلات مع بداية العام الدراسى 2014/2015. بمناهج الفقه لطلاب المرحلة الإعدادية. حتمية التغيير من جانبه يرى الشيخ محمود عاشور عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن هناك أشياء لا تتماشى مع العصر موجودة فى كتب الفقه، وكلاما لا يقال ولا ينبغى أن يقال فيجب أن ينقى، لأنها أصبحت غير موجودة فى الحياة، بالإضافة لأهمية إضافة كتب فقه جديد، لأنه يوجد كلام لا يفهمه التلاميذ فضرورى جدا تبسيط الكتب أكثر من ذلك، وهذا هو التجديد الدينى الحقيقي، والذى يتمثل فى التخليص من الحشو الذى لا يفيد فيضطر الطالب للحفظ بدلا من الفهم، ويجب اختيار الأسلوب والطريقة التى نقدم بها علماء الأزهر للناس، لنخرج تلميذا فاهما يقدم لمجتمعه ما فهمه فى الأزهر لتصل أفكارنا المعتدلة للعقول بسهولة. حذف الحشو من المناهج وفى سياق متصل يؤكد الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، وجود حاجة ملحة لإصلاح المناهج الأزهرية، وهى مسألة تحتاج إلى جهد كبير جدا، من حيث التعرف على فلسفة هذا الإصلاح، فالتغيير مطلوب خاصة فى ظل المستجدات التى طرأت على الأمة المصرية والإسلامية، فلأول مرة جاء فى دستور 2014، أن الأزهر صاحب المرجعية الدينية فى مصر وهو ما لم يكن منصوصا عليه قبل ذلك، وهذا النص فى حد ذاته يحتاج إلى معالجة معينة تتماشى مع نص الدستور الجديد ، فهذا الإقدام على مرحلة جديدة يحتاج تطوير المناهج،هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الأزهر وهو يستقبل نحو 110 جنسيات على مستوى العالم كله وحدث الكثير من التطورات وخاصة فى ظل الفكر المتشدد الذى تعانى منه الساحة الإسلامية يتطلب الأمر إدخال مناهج تبرز شخصية العالم الإسلامى والأمة الإسلامية وقدرة الشخصية المسلمة فى كل مكان على تبنى المنهج الوسطى فى ظل هذا الخلل الذى تشهده الأمة الإسلامية فى المنطقة العربية وغيرها، لأن المناهج خاصة فى ظل المراحل المبكرة من التنشئة هى التى تصنع ثقافة الشخص وتؤثر على مجمل مسلكه فيٍ حياته ومعاملاته. وأضاف: إن المنظومة الإصلاحية لإيجاد مناهج جديدة تحافظ على الأصالة والمعاصرة فى ذات الوقت تقتضى الاعتماد على بعض أمهات الكتب بجانب أسلوب الكتابة العصرية الذى يستطيع فيها الطالب أن يوائم بين الأصيل والمتجدد، ومن المهم فى هذا السياق أن تجرى مراجعة شاملة ودقيقة للمقررات المطبقة حاليا وتخليص هذه المقررات من بعض المتون والآراء التى لا تتفق مع صحيح الإسلام وتعبر عن أراء شخصية لمؤلفيها بجانب تخليص بعض الكتب من الإسرائيليات والمرويات الموضوعة، وفى هذا الإطار من المهم أيضا إيجاد وسائل معاملة الطالب الأزهر، معاملة تحفزه على حب الدراسة الأزهرية ، حتى يمكن إيجاد شخصية طالب يكون قادرا على التفكير الواعى ولا يكون فى ذات الوقت لقمة سائغة عند البعض الذين يعملون على استقطابه إلى مذاهبهم المتشددة، أو الطائفية، لأن هذا الفكر كم تعانى منه المجتمعات الإسلامية فى الوقت المعاصر نتيجة طبيعة الدراسة الدينية فى بعض المدارس الدينية التى تنتشر فى بلدان العالم العربى والإسلامى ولا تجد النموذج الرائد الذى يقدمه الأزهر فى هذا الخصوص.