رئيس جامعة المنصورة يتفقد أعمال تجديد المدرجات بكلية الحقوق    إهداء درع معلومات الوزراء إلى رئيس جامعة القاهرة    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    خالد صبري: إقبال كبير على سوق العقارات المصري    انطلاق فعاليات الجلسة الرابعة «الثورة العقارية في مصر.. الواقع والمستقبل»    أزمة الدولار لا تتوقف بزمن السفيه .. مليارات عيال زايد والسعودية وصندوق النقد تتبخر على صخرة السيسي    رئيس الرقابة المالية: الانتهاء من المتطلبات التشريعية لإصدار قانون التأمين الموحد    عاجل| أحد مرافقي الرئيس الإيراني: الآمال كبيرة في انتهاء الحادث دون خسائر بالأرواح    وزير الدفاع البريطاني: الحكومة البريطانية قلقة بشأن المسيرات المؤيدة للفلسطينيين    مشاهدة مباراة آرسنال وإيفرتون في جولة الحسم بالدوري الإنجليزي| مباشر    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    إنجاز قياسي| مصر تحصد 26 ميدالية في بطولة البحر المتوسط للكيك بوكسينج    عاجل.. براءة متهم من قتل سيد وزة ب "أحداث عنف عابدين"    تسلق السور.. حبس عاطل شرع في سرقة جهاز تكييف من مستشفى في الجيزة    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    مصطفى قمر يتألق بأغانيه في حفل زفاف نجلة سامح يسري.. صور    «يا ترى إيه الأغنية القادمة».. محمد رمضان يشوق جمهوره لأغنيته الجديدة    قومية قنا تقدم "المريد" ضمن عروض الموسم المسرحي بجنوب الصعيد    طلاب مدرسة التربية الفكرية بالشرقية في زيارة لمتحف تل بسطا    جوائز مهرجان لبنان السينمائي.. فوز فيلم "الفا بات" بجائزة أفضل فيلم روائي    ما هو الحكم في إدخار لحوم الأضاحي وتوزيعها على مدار العام؟    «الإفتاء» توضح حكم حج وعمرة من يساعد غيره في أداء المناسك بالكرسي المتحرك    الجبالى مازحا: "الأغلبية سقفت لنفسها كما فعلت المعارض وهذا توازن"    نصائح وزارة الصحة لمواجهة موجة الطقس الحار    وزير الصحة: تقديم القطاع الخاص للخدمات الصحية لا يحمل المواطن أعباء جديدة    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية مجانا في قرية أبو سيدهم بمركز سمالوط    أسرة طالبة دهس سباق الجرارات بالمنوفية: أبوها "شقيان ومتغرب علشانها"    مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يوضح أنواع صدقة التطوع    "علشان متبقاش بطيخة قرعة".. عوض تاج الدين يكشف أهمية الفحوصات النفسية قبل الزواج    إعلام إسرائيلي: اغتيال عزمى أبو دقة أحد عناصر حماس خلال عملية عسكرية في غزة    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    خالد عباس: إنشاء وإدارة مرافق العاصمة الإدارية عبر شراكات واستثمارات عالمية    إيرادات فيلم السرب تتخطى 30 مليون جنيه و«شقو» يقترب من ال71 مليون جنيه    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    وزارة الإسكان تخطط لإنشاء شركة بالشراكة مع القطاع الخاص لتنشيط الإيجارات    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    3 وزراء يشاركون فى مراجعة منتصف المدة لمشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ    موعد انعقاد لجنة قيد الصحفيين تحت التمرين    رئيس الأغلبية البرلمانية يعلن موافقته على قانون المنشآت الصحية    مساعدون لبايدن يقللون من تأثير احتجاجات الجامعات على الانتخابات    وزيرة الهجرة: مصر أول دولة في العالم تطلق استراتيجية لتمكين المرأة    متى تبدأ العشر الأوائل من ذي الحجة 1445 وما الأعمال المستحبة بها؟    أكبر مدن أمريكا تفتقد إلى الأمان .. 264 ألف قضية و4 آلاف اعتداء جسدى ضد النساء    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    بعثة الأهلي تغادر تونس في رحلة العودة للقاهرة بعد التعادل مع الترجي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالناصر وربيع آخر كاد يكتمل

لم تكن حركة الجيش المصرى التى قادها جمال عبدالناصر فى 23 يوليو 1952م، مجرد انقلاب عسكرى يهدف أصحابه إلى إزاحة رأس السلطة، والسيطرة على حكم البلاد،
وإنما حملت الحركة فى جوهرها ثورة حقيقية بكل المقاييس، غيرت مسار التاريخ فى المنطقة، وأرست دعائم الدولة المصرية الحديثة، فى سياق حركات التحرر الوطنى التى اجتاحت العالم الثالث للتخلص من الاستعمار الكلاسيكى بكل أشكاله، وترسيخ سيادة الشعوب المنهوبة على مقدراتها.
أيقظت ثورة يوليو المنطقة من سباتها الطويل، لتغرس بذور العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، فى مواجهة الاستعمار، الذى تعاقد ضمنيا مع تيارات سياسية فضلت مصالحها فى الداخل لتكريس سياسات الهيمنة والاستقطاب، فأينعت البذور لتثمر ربيعا عربيا قوميا كاد يكتمل، بعد قرون من التبعية وخريفا طويلا من التيه فى دروب الوهم، ومتاهات التغييب.
جاء المشروع القومى ليفكك الحزام الشمالى الذى أرادت الولايات المتحدة إحكامه على المنطقة، ويحبط مخططات دالاس، ويجهز على حلف بغداد فينزع رأس الحربة عن المشروع الامبريالى الجديد الذى أراد به أيزنهاور أن يرث الاستعمار القديم، ويملأ فراغا سياسيا ادعت الولايات المتحدة وجوده فى المنطقة، ويجبر الحليف السوفيتى على احترام المسافات، وتباين وجهات النظر.
انتصرت إرادة الاستقلال وانتزاع الحقوق فى حرب السويس 1956م، وبدأت معركة التنمية والتحديث، بالتوازى مع صراع سياسى بلغ ذروته فى أحداث عام 1958م مع الاستعمار الغربى الذى أدرك خطورة ما يجرى على الساحة العربية، على امتدادها من المحيط إلى الخليج، حيث أحبطت الوحدة مع سوريا مشروعا غربيا كانت تقوده تركيا لاعادة رسم خريطة المنطقة، ثم نجحت الحركة الثورية فى العراق بدعم مصرى كبير فى اسقاط نظام نورى السعيد وسلخ العراق عن الحلف الغربي، وهو ما نتج عنه سقوط حلف بغداد، ومخططات حلف شمال الأطلسى، لاستعادة نفوذ الاستعمار الأنجلو فرنسي.
كان عبدالناصر وقتها على متن الباخرة المحروسة فى عرض المتوسط، وقد قررت الاستخبارات الامريكية تصفيته، وبعد ملاحقة مثيرة تمكنت البحرية اليوجوسلافية من حماية المحروسة، ليصل ناصر إلى بلجراد ومنها إلى موسكو، ويحدث الانزال الأمريكى فى لبنان، والبريطانى فى الأردن تمهيدا لتحرك عسكرى يعيد تقسيم مناطق النفوذ الغربى فى حال نجاح خطة التخلص من عبدالناصر الذى أذهل الجميع بظهوره فى قصر الضيافة بدمشق يلقى خطابا حماسيا يعلن فيه انتصار الثورة العراقية، ويرسخ جذور الإرادة العربية التى انتصرت مرة أخرى على مخططات الاستعمار، ويصبح المشروع القومى واقعا ملموسا يحمل أمنيات شعب قرر قائده تحطيم أغلال العبودية، والانطلاق نحو آفاق الحرية اللامحدودة.
وبينما الثورة الجزائرية بدعم مصرى هائل تواصل ضرباتها فى مواجهة الاستعمار الفرنسى البائد، وقد تخطى المد الثورى حدود العالم العربي، لينتفض العالم شرقا وغربا فى مواجهات ساخنة، من كوبا إلى فيتنام، ومن الكونغو إلى نيبال، ظهرت حركة عدم الانحياز، ومفهوم الحياد الايجابي، وقد برز دور مصر وثقلها المركزى فى الحركة، التى أصبحت محورا مهما فى معادلات الحرب الباردة المتغيرة.
وتواصلت معركة الانتاج، وظهرت المشروعات القومية العملاقة، تزامنا مع إعادة توزيع خريطة القوى الاجتماعية، وتواصلت خطط الاصلاح الزراعي، وإعادة توزيع الثروات، ليتغير البناء التحتى للدولة شكلا وموضوعا، مع مواجهة صارمة وحازمة لجماعات الاسلام السياسى التى تراجعت تحت وطأة الضغط، بينما تنامت قوة مصر الناعمة لتعلن عن زمن جميل من الإبداع فى سائر مجالات الأداب والعلوم والفنون، ليصاحب صوت أم كلثوم إبداعات توفيق الحكيم وطه حسين وإحسان عبدالقدوس، وترافق أنغام السنباطى وعبد الوهاب، كتابات يوسف السباعى والعقاد ونجيب محفوظ، وتتلاقى فتوحات عبدالرحمن بدوى وزكى نجيب محمود الفكرية بتنويعات جمال حمدان المبهرة، وتتناثر هنا وهناك نجيمات إبداعية تتراقص على جيد الوطن لتصنع عُقدا لؤلئيا لا يخفت وميضه أبدا.
نعم كان ربيع جمال عبدالناصر حلما كاد يكتمل لولا المؤامرات الدولية التى استغلت ثغرات، وتصيدت أخطاء كان طبيعيا أن تحدث، ولم تكن الضربة القاصمة فى يونيو 1967م معول هدم لمشروع ضخم، وإنما كانت زلزالا صاخبا يدعو صاحب الحلم إلى معاودة تقييم الأمور، وإزاحة قيادات أفسدها طول الوقت وعدم المحاسبة، والثقة المفرطة، فى ظل الانشغال بصراع سياسى دولى منهك، وفى ظل وجود عدو صهيونى متربص، استيقظ ناصر على زلزال مدو، ودفعته إرادة الجماهير إلى معاودة البناء، فالحلم أكبر من كل مدارات اليأس التى أحاطت به، وهو ما تجسد فى هدير الجماهير الغفيرة التى هرولت خلف موكبه فى العاصمة السودانية الخرطوم عقب النكسة مباشرة، كرافد حيوى وامتداد لحركة الجماهير التى رفضت التنحى وخرجت تطالب بالثأر ومحاكمة المتسببين فى الهزيمة، وكان الرئيس السودانى قد أخبر ناصر عقب تنحيه أن الخرطوم قد تحترق لو لم يرجع عن قراره.
كان مشروع جمال عبدالناصر حقيقيا، وكانت الخطوات هائلة، فما بين نظام ملكى باتت فيه أهواء الملك العابث تعجل بوضع نهاية حتمية لحكم الأسرة العلوية، ودولة قوية ومؤثرة على الصعيد العالمى عقدين من الزمان شهدا تحولات ثورية حادة فى البناءين الفوقى والتحتى، وتغير موازين القوى الاجتماعية والاقتصادية، وامتداد النفوذ السياسى للدولة المصرية عبر محيطها العربى والافريقي، بشكل غير مسبوق يؤكد بكل المقاييس الموضوعية أن ثورة قد حدثت، وأن تغييرا هائلا قد جري، وأن ربيعا عربيا متفتحا أثمرت بذوره، وكاد يكتمل لو توافرت له ظروفا موضوعية طبيعية.
لمزيد من مقالات د. سامح محمد إسماعيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.