نشرة التوك شو| بطيخ مسرطن ومشادة بين "صلاح ويورجن كلوب" وبيان لصندوق النقد    موعد مباراة ليفربول المقبلة بعد التعادل مع وست هام في الدوري الإنجليزي    عاجل.. حسام البدري يفجر مفاجأة حول عرض تدريب الزمالك    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    لأول مرة بالمهرجانات المصرية.. "الإسكندرية للفيلم القصير" يعرض أفلام سينما المكفوفين    «مينفعش نكون بنستورد لحوم ونصدر!».. شعبة القصابين تطالب بوقف التصدير للدول العربية    مفاجأة جديدة في سعر الذهب اليوم الأحد 28 أبريل 2024    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    العالم الهولندي يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة ويكشف عن مكانه    أهالي الأسرى يُطالبون "نتنياهو" بوقف الحرب على غزة    مصدر أمني إسرائيلي: تأجيل عملية رفح حال إبرام صفقة تبادل    قصف كثيف على منطقة ميرون شمال إسرائيل وعشرات الانفجارات في المنطقة (فيديو)    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى غرب جنين    المجموعة العربية: نعارض اجتياح رفح الفلسطينية ونطالب بوقف فوري لإطلاق النار    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    المندوه: هذا سبب إصابة شيكابالا.. والكل يشعر بأهمية مباراة دريمز    اجتماع مع تذكرتي والسعة الكاملة.. الأهلي يكشف استعدادات مواجهة الترجي بنهائي أفريقيا    ألميريا يهبط إلى دوري الدرجة الثانية الإسباني بعد الخسارة من خيتافي    حالة الطقس اليوم الأحد 28 - 4 - 2024 فى مصر    مصرع وإصابة 12 شخصا في تصادم ميكروباص وملاكي بالدقهلية    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    أول تعليق من الأزهر على جريمة طفل شبرا    مصدر أمني يكشف تفاصيل مداخلة هاتفية لأحد الأشخاص ادعى العثور على آثار بأحد المنازل    ضبط 7 متهمين بالاتجار فى المخدرات    ضبط مهندس لإدارته شبكة لتوزيع الإنترنت    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    وفاة الفنان العراقي عامر جهاد    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    لميس الحديدى: نعمت شفيق تواجه مصيرا صعبا .. واللوبي اليهودي والمجتمع العربي"غاضبين"    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السفير الروسي بالقاهرة يشيد بمستوى العلاقة بين مصر وروسيا في عهد الرئيس السيسي    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    ضبط وتحرير 10 محاضر تموينية خلال حملات مكبرة بالعريش    «الأزهر للفتاوى الإلكترونية»: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة حرام    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    انخفاض يصل ل 36%.. بشرى سارة بشأن أسعار زيوت الطعام والألبان والسمك| فيديو    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    رئيس جامعة أسيوط يشارك اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    شرايين الحياة إلى سيناء    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وصمة عار تستدعى انتفاضة قومية !

والله زمان؟!الوطن: إذا لم تصلحوا أنفسكم من يصلحكم ؟ وإذا لم تحفظونى ، من يحفظكم؟

أبو دعموم: بقى مقصودكم أننا نجتمع ونبقى عصا واحدة؟
الوطن: نعم ، فإنكم لا تنجحون إلا بالاتحاد..
أبو دعموم : طيب أهو أنا واحد من الناس ، هات لى واحد قلبه على قلبى بس!
الوطن: عجيبة؟ بقى كل أهلى مختلفين؟
أبو دعموم: كل أهلك إيه يا غابر ..له الولد بيحب أبوه؟
الوطن: كل هذا سببه الجهل!!
كان هذا مقطع من مسرحية (الوطن) التى كتبها الثائر الوطنى العظيم « عبد الله النديم»، ومثلتها مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية التى كان النديم يشرف عليها، على مسرح زيزينيا بالاسكندرية بحضور الخديو توفيق.
وهذا المقطع صدّرت به مقالا لى نشرته مجلة ( المصور ) فى 5/3/ 1971، وكانت صدور المصريين وقلوبهم تغلى غضبا وضيقا أن ابتليت مصر باحتلال العدو الصهيونى لسيناء كلها فى كارثة يونيو 1967، وكان الراحل العظيم أحمد بهاء الدين، يرأس تحرير المجلة، مما جعل منها أقوى مجلة فى الوطن العربى.
كان نقاش قد بدأ يثور حول ضرورة تعديل موقفنا الفكرى الذى كان يقول لنا أننا لن ننهض إلا بالتخلص من العدوان الصهيونى، حيث برزت وجهة نظر أخرى بأننا لن نستطيع التخلص من هذا العار إلا بالنهوض القومى والتقدم العلمى..فكان مقالى المعنون ( هذه القضية لا تحتمل التأجيل).
فإذا كنا قد رفضنا أن تحتل قوات العدو قطعة غالية من أرض الوطن، فكيف فى الوقت نفسه، نقبل على أنفسنا أن يحتل عدو آخر جزءا منا ربما يزيد غلاوة عن هذه القطعة أو تلك من أراضى الوطن..هذا العدو، هو « الجهل « المتمثل فى الأمية، أما الأرض الأغلى، فهى العقول المصرية.
ولك عزيزى القارئ أن تشعر بما أشعر به الآن من مرارة أن يمر 44 (أربعة وأربعون) عاما على صرختى هذه، ثم أجد نفسى مضطرا إلى إعادة الصرخة مرة أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المرض عموما، والاجتماعى منه خصوصا، كلما مر عليه زمن أطول دون علاج، تتفاقم آثاره السلبية، وتتعاظم السبل التى ينبغى اتخاذها للقضاء عليه، مشقة وتكلفة وزمنا؟!!
ومعذرة أيها القارئ العزيز، فلست أقصد نثر ألم نفسى لك، بقدر ما أقصد استنهاضك، بغير توان، وألا تفكير محبط فى عقبات وظروف ، عندما أعود فأقول لك أن الأمر لا يقف عند حد صرخة فى عام 1971 من فرد مثلى، إذا كانت هناك صرخة أعم وأشد قبل الآن بمائة وتسعة وأربعين عاما، كيف؟
فلقد شهدت مصر عام 1886 حدثا تاريخيا لا نظير له فى بلدان الشرق، عندما تأسس شكل برلمانى باسم ( مجلس شورى القوانين )، ويهمنا من هذا الحادث أن المادة( 61) من النظام الأساسى للمجلس ، اشترطت معرفة القراءة والكتابة فى النائب بعد ثمانى عشرة سنة..
هنا وقف أحد النواب( أتربى أبو العز) ينبه زملاءه بضرورة الاستعداد لذلك بالبدء بحركة قومية لنشر التعليم وإزالة وباء الأمية خلال ثمانية عشر عاما، وبالفعل سارع أبو التعليم المصرى الحديث( على مبارك) بإعداد مشروع لذلك صدر قرار به فى العام التالى 1867.
كان عدد سكان مصر فى ذلك الوقت هو خمسة ملايين نسمة..
وها نحن ، بعد 149 عاما، يصبح عدد الأميين فى مصر، أربعة أضعاف جملة المصريين فى ذلك العام السابق الميمون؟!
والحق أن الإنسان قد عاش على هذه الأرض ، ما عاش من ملايين السنين، أميا، ضيق الوجود، قصير الذاكرة، محدود الخبرة، أحادى البعد ، امتداده للماضى ، خبرة ومعرفة وجهدا، تحكمه الأساطير، وتستأثر به الروايات تزيد فيه وتنقص، وتمحو منها الأيام فى غير اختيار، ما تشاء، وتثبت ، فى غير تثبت ، ما تشاء ، وامتداده إلى المستقبل ، امتداد بيولوجى، جهده فيه قليل، وزاده إليه يسير، إلا ما يكون من إبداع مادى، تفرزه الحاجة المباشرة، والخبرة الملاصقة، مما تستقيم به الحياة فى أدنى صورها الضرورية.
وفى عصور قريبة من آلاف قليلة من السنين، يصل الإنسان إلى نقطة فاصلة فى حياته، حيث يخترع الإنسان الكتابة فى منابت الحضارات القديمة، على ضفاف الأنهار، فينتقل الإنسان إلى عالم جديد من الحضارة البشرية، فتتعدد أبعاد وجوده ، وتطول ذاكرته وتعلو قدرته على مخاطبة المستقبل، وعلى المغامرة فى عالم الفكر، وفى آفاق التجريد، وتتسع علاقات المجموعات البشرية، لتلتقى مع غيرها من مجموعات عن طريق الرموز القادرة التى اكتشفها ، وبدأ تعامل الإنسان مع الحياة تعاملا إيجابيا، يقوم على المشاركة بدل التبعية، وتراكمت الخبرات، فاستعانت الأجيال بجهد السابقين، مما زاد هذه الأجيال ثراء معرفيا، وأضافت إليها الجديد، مما زاد هذه المعرفة غنى ودقة وتوسعا ...
تشريعات وخطط ...بطعم « السراب»!
..ونقفز على عشرات السنين، لنقف أمام عام 1944، حيث صدر فيه( فى عهد حكومة الوفد) القانون رقم 110 فى شأن مكافحة الأمية ونشر الثقافة الشعبية الذى فرض على الأميين الخاضعين لأحكامه تعلم القراءة والكتابة والمبادئ العامة للدين، ومبادئ علم الحساب، مع قسط مناسب من الثقافة العامة، وأوكل هذه المهمة فى البداية إلى وزارة الشئون الاجتماعية ، لكنها انتقلت إلى وزارة التعليم وفقا للقانون 128 لسنة 1946.
ثم أنشأت وزارة التربية والتعليم فى أبريل 1954 مركزين للتربية الأساسية، اتساقا مع ما سبق أن تم إنشاؤه فى قرية سرس الليان ( منوفية)، تحت مظلة اليونسكو، كمركز إقليمى للوطن العربى باسم « التربية الأساسية. «
وإذ تمثلت البداية فى مركزين فى قريتين من قرى محافظة الجيزة، لكن تم التوسع بعد ذلك فى هذا الاتجاه، فأنشئت ستة مراكز أخرى فى محافظات الاسكندرية والمنيا والاسماعيلية.
وكانت هذه المراكز بمثابة مراكز تجريبية لمحو الأمية وتعليم الكبار على المستوى المحلى، بالإضافة إلى قيام هذه المراكز بمشروعات متعددة بهدف إنعاش الريف ورفع مستواه اجتماعيا واقتصاديا ومهنيا وصحيا.
وكان من نتيجة الأخذ بنظام الحكم المحلى فى أول الستينيات من القرن الماضى أن قامت بعض المحافظات بواجبها نحو القضاء على الأمية، فقد بدأت محافظة القاهرة سنة 60/1961 بتنفيذ مشروع مدارس الشعب ، على أساس خطة عشرية لمحو الأمية بين مواطنى ومواطنات العاصمة من الأميين الذين بلغ تعدادهم ، حسب إحصاء 1960 حوالى 820٫000 ، واستمر العمل فى المشروع أربع سنوات ، تم فيها محو أمية 195٫5000 مواطن.
وكذلك شهدت الاسكندرية ما عرف باسم ( المشروع التجريبى لمحو الأمية) استمر مدة عامين، من 1964-1966.
وكانت الخطوة الجديدة حقا هى دخول التليفزيون على الخط، حيث مثّل جهدا فريدا يتغلب على ما كشكّل عقبات كئود أمام المشروعات والجهود السابقة، مثل:
- ندرة توافر المعلمين المدربين.
- ضمان تقليل تكاليف تعليم الأعداد الكبيرة. - صعوبة تجميع الإناث.
-نقص الدوافع التعليمية للكبار. -انتشار جماهير الأميين .
وقد صممت مشروعات المواجهة على أساس أن تتولى هيئة التليفزيون مهمة تخطيط وإعداد وإنتاج الدروس، وكذا إنتاج الكتاب المصاحب ، على أن تتولى الجهات الأخرى تنظيم مراكز المشاهدة وتدبير أجهزة الاستقبال واختيار رواد المشاهدة ، ويستغل المشروع امكانات التليفزيون من حيث الصوت والصورة فى قالب دراسى فكاهى غنائى.
وفى أكتوبر عام 1964، عقد فى الاسكندرية المؤتمر الإقليمى لتخطيط برامج محو الأمية فى البلاد العربية، وقد أوصى المؤتمر بأن يقوم كل بلد عربى بوضع خطة لمحو الأمية بين المواطنين ، فى مدة أقصاها خمس عشرة سنة.
وتنفيذا لهذه التوصية وضعت خطة لمحو الأمية فى ( الجمهورية العربية المتحدة- مصر) ، بهدف:
-القضاء على الأمية بين المواطنين فيما بين سن 10-45 ، وذلك فى مدة 15 سنة ، أى سنة 1980
-كان المستوى التعليمى الذى استهدف الوصول إليه هو ما يعادل الصف الرابع الابتدائى باعتبار ذلك هو الحد الأدنى الذى يعينه على أن يكون مواطنا صالحا ، يتحرك فى بيته بصورة إيجابية مستنيرة، ومنتجة، ويتفاعل معها ، ويبذل جهده من أجل النهوض بها.
وخُطط لأن يسير العمل فى الخطط على أساس :
البدء فى تنفيذ محو الأمية بين العمال ورؤساء العمل فى قطاعات الإنتاج، حتى يظهر أثر التعليم فى زيادة الإنتاج، ويُستفاد من هذه الزيادة فى التوسع فى برامج محو الأمية.
إعطاء الأولوية للعمل فى الأماكن التى يتجمع منها أعداد كبيرة من الأميين ، كما فى القوات المسلحة، والشرطة، والمصالح الحكومية، ومراكز الإصلاح الزراعى، على أساس سهولة جمعهم، وتنظيم العمل بينهم، مما يؤدى إلى تحقيق نتائج سريعة ملموسة.
لكن جاءت كارثة يونيو 1967، لتعصف بكل آمال المشروع..
مجلس أعلى لمحو الأمية وتعليم الكبار
ثم صدر القانون رقم 67 لسنة 1970 فى شأن تعليم الكبار ومحو الأمية، حيث أوضح الأبعاد الثلاثة للعمل على هذا الطريق:
1- المسئولية : محو الأمية مسئولية قومية سياسية، وبالتالى لا تعلق فقط فى رقبة وزارة التربية، ومن هنا صدر بعد ذلك قرار رئيس الجمهورية رقم 311 لسنة 1971 فى شأن تشكيل واختصاصات ما سمى المجلس الأعلى لتعليم الكبار ومحو الأمية، الذى أصبح اسمه فيما بعد ( الهيئة القومية العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار).، تُمَثل فيه مختلف الوزارات والهيئات ذات الصلة.
2- الهدف: يستهدف القانون تعليم المواطنين الأميين، ورفع مستواهم ثقافيا واجتماعيا.
3-الالتزام: تلتزم بتنفيذه مع وزارة التربية والتعليم، جمع الأجهزة الحكومية والتنظيمات السياسية والثقافية والشعبية .
هذا وقد وضع القانون تعريفا للأمى بأبعاد ثلاثة:
أ-البعد العمرى: من تتراوح أعمارهم بين الثامنة والخامسة والأربعين.
ب-الوضع التعليمى: غير المقيدين فى أية مدرسة.
ت-المستوى التعليمى: من لم يصلوا فى تعليمهم إلى مستوى نهاية الصف الرابع الابتدائى عند العمل بالقانون.
وفيما يلى بيان بنسبة الأمية بين السكان( 10 سنوات فأكثر) منذ تعداد 1937 إلى 1966( الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء 1970):
النسبة المئوية للأميين
وإذا كانت الأرقام تشير إلى تراجع فى نسبة الأمية، لكنها كانت نسب تقل عن نسب التزايد السكانى، وكذلك جملة الذين ينضمون جددا إلى صفوف الأميين.
وحتى يتأكد لنا هذا، لابد أن نعلم أنه فى العام 69/1970 كان غير المقبولين فى التعليم الابتدائى، وهم يمثلون المنبع الأساسى للأمية 198326 طفلا عام 74/1975، وصلوا إلى 319578، بإجمالى 1379026 طفلا طوال خمس سنوات. ولا يقتصر الأمر على غير المقبولين، بل يمتد إلى من يتسربون من المدرسة الابتدائية قبل أن يكملوا التعليم بها، حيث كان عددهم فى العام 65/1966 حوالى 136565، فى 78989 سنة 69/1970، بإجمالى: 468397، خلال الخمس سنوات، حسب تقرير المجلس القومى للتعليم عن قضية الأمية 1980 . ووفقا للحولية الإحصائية لليونسكو عام 1988، وصلت نسبة القيد الإجمالية فى المدرسة الابتدائية، للذكور: 89 % والإناث 75 %عام 1975 بإجمالى 60% وصلت إلى 85، و91، و 76، بالترتيب السابق، سنة 1985، مما يعنى انضمام مئات الألوف من الأميين إلى الجيش الأمى القائم.
فى الإطار العربى:
وغنى عن البيان ما كانت مصر تعيشه، منذ الخمسينيات من زخم عربى، على المستوى السياسى، تردد صداه على المستوى التعليمى، فشهدنا خطوات رائعة (معظمها على الورق)، وكانت البداية عام 1948، بعد نشأة جامعة الدول العربية، حيث قامت الجامعة باستفتاء عن مكافحة الأمية فى الدول المشتركة فى الجامعة، وكان أول مظهر قد تبدى فى ( مؤتمر التعليم الإلزامى للدول العربية ) الذى انعقد بالقاهرة من 29 ديسمبر 1954 إلى 11 يناير 1955، وكان بدعوة من مصر، بالتعاون مع جامعة الدول العربية، ومنظمة اليونسكو.
وبالتعاون مع « اليونسكو» ، عُقد مؤتمر إقليمى بالاسكندرية فى الفترة من 10-18 أكتوبر عام 1964، حيث وضع ما عُرف بميثاق الاسكندرية الذى تتضمن عددا من الأسس والمبادئ، لو كان قد تم الالتزام بها لكان الحال غير الحال، حيث جاء فيه أن الوفود العربية المشاركة ترى:
-أن المعرفة والتعليم حق لكل مواطن يعادل حقه فى الحياة والحرية.
-أن التحرر من قيود الاستعمار قد مكن الشعوب من أن تحقق شخصيتها القومية ومكانتها الدولية، كما أن التحرر من أغلال الأمية لا يثبت دعائم هذه الشخصية القومية على الدوام فحسب، بل إنه يضفى عليها قيمتها الإنسانية والحضارية.
-أن العالم العربى ، حين يسعى إلى جعل مهارات القراءة والكتابة فى متناول العرب جميعا، فإنه يستعيد طبيعته الأصيلة، فقد كان العرب أول من زاوج بين الإشارة والرمز وبين الرمز والحرف، كما كانوا أول من استخدم الحروف الهجائية ليسبغوا على المعرفة الإنسانية طبيعة الدوام والبقاء، وعلى هذا النحو يلتقى العالم العربى من جديد بإنتاجه الخلاق بعد طول اغتراب.
-أن هذا اللقاء الجديد بين العالم العربى والحروف الهجائية، إنما يتم فى وقت يسعى فيه جاهدا إلى بلوغ حياة أفضل، عن طريق إحداث تغييرات جوهرية فى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإن القضاء على الأمية بين ثلثى سكان البلاد العربية لمن أهم المشروعات الحيوية ، وإنه إذا ما تحقق أصبح أفضل وسيلة لحماية التنمية والتغيير وصونهما.
-أن القضاء على الأمية يعنى حدا أدنى من الثقافة يمكن المواطن العربى من أن يتفاعل بفطنة مع مجتمعه المحلى الصغير والمجتمع العالمى الأكبر، كما أن هذا القدر الأدنى من الثقافة سيمكنه من أن يساير أروع إنجازات عصرنا الحاضر.
-أن معرفة القراءة والكتابة تسد ما بين الأفراد من فجوات ، وتقرب بين العرب ، وتهيئ السبيل كى يتلاقوا، فتتماسك أفكارهم ومشاعرهم، وتتوحد أهدافهم إزاء القضايا العربية، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية...إلخ
وكان عام 1964 قد شهد ميثاق الوحدة الثقافية العربية، فى فبراير، والذى أوصى بإنشاء المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، حيث جعل من وظائفها العمل على القضاء على الأمية فى البلاد العربية.
واستتبع هذا موافقة مجلس جامعة الدول العربية فى يناير 1966 على قرار بإنشاء الجهاز العربى الإقليمى لمحو الأمية، وأن تكون وظيفته « العمل على القضاء على الأمية فى البلاد العربية فى مدة أقصاها خمس عشرة سنة «!!
ولأن المسألة لم تسر على أرض الواقع وفقا لما سارت عليه فى الأدمغة والألسن والأقلام والأوراق، فقد وجه المؤتمر الإقليمى الثانى المنعقد بالاسكندرية فى الفترة من 14-20 ديسمبر 1971ما يشبه الصرخة أو الاستغاثة، فى صورة نداء إلى قادة الأمة العربية وزعمائها والقيادات الشعبية، ورجالات الفكر والتخطيط والاقتصاد والإعلام، والمؤسسات الجامعية والتعليمية والعليمة( التقرير النهائى للمؤتمر الإقليمى العربى الثانى، 1971) :
« من واقع مسئولياتنا القومية والحضارية وظروف المعركة ومتطلباتها ..
وإيمانا من المؤتمر بخطورة مشكلة الأمية وعظم حجمها، وإدراكا منه بأنها قيد يعوق حركة الأمة العربية نحو تطورها وتقدمها السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وانطلاقا من أهمية العنصر البشرى فى تحقيق التنمية والتطور كركيزة أساسية يمكن لها إذا فتحت أمامه آفاقا المعرفة- أن تنطلق نحو صنع الحضارة العربية الحديثة،ومواصلة تنميتها والارتقاء بها، وإحساسا بالمرارة نتيجة ضعف الجهد الذى بذل خلال السنوات التى مضت منذ عقد المؤتمر الإقليمى العربى الأول لمحو الأمية فى البلاد العربية الذى انعقد بالاسكندرية عام 1964..
ويسجل التاريخ عملا علميا عربيا على درجة عالية للغاية من العلمية والإحاطة والعمق، شارك به المركز الدولى للتعليم الوظيفى للكبار بسرس الليان، من خلال استراتيجية لمحو الأمية صدرت عام 1976، قامت محاورها على المرتكزات التالية:
1-قومية العمل العربى فى حركة محو الأمية.
2-ارتباط حركة محو الأمية بجهود التنمية والتطوير الحضارى.
3-ارتباط حركة محو الأمية بحركة التربية فى المجتمع .
4-تدعيم أجهزة محو الأمية وكفالة مرونة حركتها .
5-تكثيف الجهود بين القطاعات السكانية العالية فى بنية السكان.
6-تكوين رأى عام بخطورة الأمية واتخاذ موقف إيجابى للتخلص منها
وتعاود الأجهزة والمنظمات وضع خطط جيدة واستراتيجيات تبتغى تحقيق الأمنية نفسها، لكن السنين تمر، ولا يعرف الواقع العربى سيرا جادا نحو التشخيص والتفعيل، وكان من ذلك أن وضعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1980 مشروعا لخطة محو الأمية وإلزامية التعليم الأساسى فى إطار استراتيجية العمل الاقتصادى العربى المشترك، وقدمت بذلك وثيقة إلى مؤتمر القمة الحادى عشر فى عمان 1980.
وكانت الخطة الجديدة من أجل تعميم التعليم الابتدائى ومحو الأمية، على ثلاث مراحل ، كل منها خمس سنوات، تنتهى عام 1995، ثم عدلت بعد فترة لتمتد بسقفها إلى عام 2000
وكلف مكتب اليونسكو للتربية فى الدول العربية بعمان ( الأردن) كاتب هذه السطور بوضع دراسة عن جهود الدول العربية على هذا الطريق، صدرت عن المكتب نفسه فى كتاب من مجلدين عام 1991، وكانت المحتويات تنطق بصورة غير سارة عن جهود الدول العربية.
كذلك كلف الجهاز العربى لمحو الأمية وتعليم الكبار كاتب هذه السطور بتشكيل فريق عمل لوضع استراتيجية عربية لتعليم الكبار، ربما فى أواخر التسعينيات، وطلبت من المسئول توفير عدد من الأركان والمقومات الأساسية لوضع الاستراتيجية على أسس سليمة، لكن مع الأسف الشديد، تم الركون إلى ظروف مالية صعبة كانت قائمة، فعملنا من خلال المراجع والتقارير والإحصاءات والبحوث، وكنا نود زيارات ميدانية والتقاء بمسئولين فى دول عربية، وعمل ندوات حول القضية، وتكليف آخرين ببحوث مغذية.
وبعد أن انتهينا منها تماما وسلمناها، وجاءتنى ملاحظات كان لابد من تنفيذها اعتذرت عن عدم استكمال المسيرة، لعدم رضائى عن المقدمات، فصدرت عن طريق آخرين، اعتمدوا اعتمادا أساسيا على ما أنجزناه نحن، وكنت قد لمست كذلك بعض التوجهات التى نضحت فيها مظهرية وعلاقات شخصية وتغليب منطق القبيلة، مما جعلنى أفهم: لماذا لا تعرف كثير من الخطط والاستراتيجيات العربية- باستثناءات بطبيعة الحال- طريقها إلى أرض الواقع.
الوضع الراهن:
بداية لا ندرى حقا على أى أساس يتم حساب عدد الأميين، حيث نعلم علم اليقين ألا اختبارات تُجرى على المواطنين للوقوف على مدى تمكنهم من القراءة والكتابة، لكننا على أية حال لابد أن نثق بما يقوله الجهاز العريق للتعبئة والإحصاء، فله بطبيعة الحال أساليبه ، لكننا عموما، لابد أن نضع بعين الاعتبار أن هناك مئات الألوف فى الصفوف الأولى من التعليم لا يعرفون القراءة والكتاب، وقد صرح وزير التربية والتعليم منذ أيام نفسه بمثل هذا.
كذلك نعلم أن مئات الألوف من طلاب التعليم الفنى، المفروض أنهم مروا بالتعليم الأساسى( 9 سنوات) لا يعرفون القراءة والكتابة، وفقا لتصريحات مسئولين أيضا، ومنها ما قيل أمامى مباشرة فى اجتماع، مع الدكتور أحمد جمال الدين موسى ، عندما كان وزيرا للتربية والتعليم، قبل ثلاث سنوات تقريبا.
بل يمكن أن نضيف إلى هذا وذاك، ما هو معروف ومتداول بين الإخصائيين، أن هناك تسربا فى سنوات التعليم، يرتد أصحابه إلى الأمية..
وكذلك هناك عملية ارتداد لدى من توقفوا عند الشهادة الابتدائية أو الإعدادية لظروف اجتماعية..
جدول رقم (1)
موقف الأمية عددًا ونسبة في الفئة العمرية (10 سنوات فأكثر)
وفقًا للنوع في 1/ 7/ 2014
جدول رقم (2)
عدد السكان وعدد الأميين في الفئة العمرية 10 سنوات فأكثر
في 1/ 7/ 2014 بمحافظات الجمهورية
جدول رقم (3)
توزيع عدد السكان وعدد الأميين ونسبتهم في الفئة العمرية (15 فأكثر)
في 1/ 7/ 2014
الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء
مركز معلومات الهيئة العامة لتعليم الكبار
فى الجدول رقم(1) ها هى كالعادة- نسبة الإناث الأميات تكاد تصل إلى ضعف مثيلتها عند الذكور، على الرغم مما هو معروف من أن الأم تكاد أن تكون هى التى تربى الأبناء فى سنوات تنشئتهم الأولى، ولسنا فى حاجة إلى تفصيل حديث عن الفرق بين حال أم متعلمة وأخرى غير ذلك، ولا يسارع أحد للدفع بأن ملايين الأمهات ربين أجيالنا من قبل ولم يكن متعلمات، فالدنيا غير الدنيا، والاحتياج اليوم إلى التعلم غيره بالأمس.
وفى الجدولين رقم (2)، و(3) يمكن لنا أن نلاحظ أن أقل نسبة للأمية موجودة فى محافظة البحر الأحمر الأحمر، تليها محافظة جنوب سيناء، بينما العكس، أعلى نسبة أمية، موجودة فى محافظة أسيوط، تليها محافظة الفيوم..
ولو استطعنا أن نقارن هذا وذاك بنسبة الفقر هنا وهناك، ومعدل التنمية، فلن نخطئ إذا ربطنا بين المتغيرين، حيث هناك دراسات يصعب حصرها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك الارتباط الوثيق بين معدلات الفقر والتنمية وبين حالة التعليم، أو انعدامه أو تأخره. ويرتبط بهذا وذاك، نسبة أمية أعلى بين الإناث..
السياقات المجتمعية تفرض المفاهيم:
لا نقصد بذلك تفكيرا ذا طريق واحد، حيث نحن ممن يؤمنون بالنهج التفاعلى بين السياقات المجتمعية وما يدور على مسرحها من أفكار واتجاهات، بحيث يكون هناك تأثر وتأثير متبادلين بينهما ، ومن ثم فإن اقتصارنا هنا على بعد بعينه هو فقط للتفسير والتحليل.ومن هنا يمكن القول أن الأمية ، فى الصورة الاجتماعية التى نعرفها الآن، لم تكن مشكلة، فى المجتمعات التقليدية، وهى لم تعد كذلك إلا فى إطار التطور الاجتماعى والسياسى الحديث، بعد أن أصبح التعليم حقا وواجبا على الدولة والمواطن معا من الناحية السياسة، وأصبح العمل فى المجتمع الحضارى الجديد مرتبطا بالتعليم أكثر من ارتباطه بالممارسة التقليدية، بمعنى أن ارتباطه بالموضوع ومتطلباته أكثر من ارتباطه بعامل الزمن ، من الناحية الأخرى.
وبعد أن أصاب العمل الإنسانى نفسه تغييرات نوعية ، سواء من حيث اكتساب مهاراته ، أو من حيث أدواته ، أو حجم إنتاجه ، أو طبيعة علاقاته من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية ، ارتبطت مهارة العمل فى المجتمع الحضارى الجديد بالظروف الموضوعية للعمل ولنوعه ، أكثر من ارتباطها بعامل الممارسة والمحاكاة ، أى بالعلم ، أكثر من الزمن.وعلى هذا ، وقفزا فوق مئات القضايا ، نخلُص من هذا إلى أن هناك ظاهرتين سائدتين فى المجتمع الحديث، أثرتا تأثيرا مباشرا وعميقا على مفهوم « محو الأمية»، وهما : الحق السياسى، والواجب الاجتماعى.
أما من حيث الحق السياسى، فذلك حق المواطن فى التعليم، من ناحية ، وهو حق مقدس ، لا يسقطه عجز الدولة المادى أو الفنى، وإن كان يعطله، وهذا هو أحد مصادر الأمية ، ثم حقه فى العمالة من ناحية أخرى.
فالأمى فى الدولة الحديثة هو مواطن لم يتمكن من استعمال حقه ابتداء ، أو تمكن منه فأساء استعماله، وفى كلتا الحالين، فإن مسئوليته الاجتماعية كمواطن مشارك فى مجتمعه وفاعل ومنفعل به تكون محدوده.
أما من حيث الواجب الاجتماعى ، وذلك واجبه فى المشاركة الاجتماعية ، وفى الإنتاج ، فإن أميته تحول دون أدائه ذلك الواجب كاملا ، لفقدانه وسائل الاتصال الدائمة التى تشكل المهارة الفنية المنتجة والتفاعل الاجتماعى الخلاق . وهكذا فإن المواطن الأمى ، يصبح رقما سكانيا ، وليس قوة اجتماعية ، ويظل عبئا على المجتمع. ومن هنا بدأ مفهوم « محو الأمية « لتأهيل الأميين لممارسة حقهم من ناحية، وأداء واجبهم من ناحية أخرى، ارتفاعا بقدراتهم ، وتصعيدا لكفاياتهم ، وتمكينا لهم من المشاركة فى صناعة الحياة والانتفاع بثمراتها.
ونلاحظ أنه منذ الستينيات من القرن الماضى، حيث تسارعت حركات التحرير وحصول بلاد نامية على استقلالها السياسى، كان من الضرورى على هذه البلدان أن تتجه بكل قوة إلى التنمية التى رأت أنها اقتصادية بالأساس نتيجة ما جرى عبر عشرات السنين لها من نهب وسوء استغلال وتجريف، وكذلك على اعتبار أن التنمية هى دعم للاستقلال السياسى من ناحية، ونهوض بسكانها ، ورفع لمستوى معيشتهم من ناحية أخرى، فشرعت فى إعادة تنظيم هياكلها الاقتصادية، والأخذ بالتنويع الاقتصادى، وبدء حركة التصنيع ، وتطوير الزراعة ، وإقامة مشروعات التنمية الريفية، ورفع الكفاية الإنتاجية، وإدخال الأساليب التكنولوجية الحديثة فى مختلف مرافق الإنتاج والخدمات .
وكان من الطبيعى أن تفرض هذه التغييرات مطالب جديدة على سكان هذه المجتمعات، فإعادة تنظيم الهياكل الاقتصادية، والتنويع الاقتصادى، اقتضى وجود قوة عاملة متعلمة، متنوعة الاختصاص، سريعة التكيف، تستطيع أن تنهض بمختلف أنواع الأعمال الجديدة، والتصنيع تطلب تحويل جزء من القوة العاملة فى الزراعة التقليدية إلى العمل فى الصناعة وتزويدها بالاتجاهات العقلية والأنماط السلوكية الجديدة التى تتمشى مع الصناعة الحديثة، وتطوير الزراعة وإقامة مشروعات التنمية الريفية لا يكفى فيهما إدخال الأجهزة والأدوات وأساليب الزراعة الحديثة، بل لابد أن يصحب ذلك كله تحول نفسى واجتماعى لسكان الريف يجعلهم يدركون قيمة هذه المستحدثات، ويدفعهم إلى استخدامها فى تطوير حياتهم، ورفع الكفاية الإنتاجية يحتاج إلى قاعدة من التعليم بدونها يصبح العائد من برامج تأهيل العاملين فى الزراعة والصناعة وتدريبهم غير متكافئ اقتصاديا، مع ما يبذل فيها من جهد وما ينفق عليها من مال. أما الأساليب التكنولوجية الحديثة فيتوقف نجاحها على وجود قوة عاملة تفهم هذه الأساليب فهما صحيحا ، وتنظر إليها استخداما وصيانة نظرة سليمة، وتستطيع أن تستعملها بمهارة ، كما تستطيع أن تتكيف لمطالبها المتجددة. وهكذا تبينت البلاد النامية أن تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية يستلزم تغييرات اجتماعية واسعة النطاق، كما يستلزم حركة تعليمية وثقافية تزود مشروعات التنمية بالقادة والعمال المتعلمين، كان من أهمها بروز ما عُرف بالمفهوم الحضارى للأمية.
المفهوم الحضارى للأمية:
والحق أن المفكر السودانى الكبير، محيى الدين صابر، عندما تولى ما كان يعرف بالجهاز العربى لمحو الأمية وتعليم الكبار، كشف عن أن هناك فى الواقع أميتين لا أمية واحدة، فهناك الأمية الكبرى، وهى أمية المجتمع نفسه، وسماها الأمية الحضارية، وهنالك الأمية الصغرى ، وهى أمية الأفراد، وسماها الأمية الأبجدية، والصلة لاحمة بينهما، وأن الأمية الأبجدية لا تكون إلا حيث تكون الأمية الحضارية، فهى الأم الشرعية للأمية الأبجدية، وهى المناخ الاجتماعى الحاضن لها، وهذا أمر واضح ، فالأمية الحضارية هى فى الأساس مشكلة الدول النامية، وهى وليدة التخلف عن النمط الحضارى المعاصر، ونشدد على هذه الجملة، لأن هذا التخلف الذى نواجهه ليس إلا صورة الاختلاف التاريخى بين الحضارات التقليدية، والحضارة المعاصرة، وذلك دون أن نحمل حكما تقييميا على الحضارات التقليدية، بالنسبة للحضارة المعاصرة ، أيهما أفضل ، وهذا موضوع فلسفى، ليس هنا، على الأقل، مجال الخوض فيه، ويتضح من هذا التصور مباشرة: لماذا فشل محو الأمية الأبجدية على المستوى العالمى ، وعلى المستويات الوطنية، ذلك إننا كنا نعالج مظهر الداء، تاركين جرثومته تستشرى فى داخل الجسم ، وتتزايد وتتكاثر، وتكتسب مناعة ، ثم تصبح أكثر قدرة على مقاومة المقاومة.
إن ظاهرة التخلف ليست بسيطة، بل إنها ظاهرة مركبة تتفاعل فيها مجموعة من العوامل والمتغيرات، تعتبر جميعها ضرورية فى إنضاج الظاهرة، إنها ظاهرة ذات أبعاد متعددة، فالحرب ضد الأمية هى حرب ضد التخلف، ويجب أن تعامل فى نفس القدر من الأهمية، وإن نظرية عامل التخلف التى تقول بأن المفتاح الأساسى للتنمية هو تحقيق استثمار فعال لرأس المال البشرى، هى النظرية التى أصبحت تمثل مغزى وأهمية أكبر مما اعتادت أن تحتله فى ظل النظريات الاقتصادية، وبديهى أن التنمية الاجتماعية تقع بين أكثر مشكلات التنمية خطورة.
لقد بدأ الأمر يزداد وضوحا إن التحسين فى شروط الحياة الإنسانية لا يمكن ببساطة انتظار ما تحققه فى النهاية من أهداف التنمية، بل هو بالضرورة أحد شروطها ووسائلها ، وأنها فى العالم النامى بمقدار ما هى مصلحة أمة، فهى إمكانية أمة، إذ أنها تهتم بالعنصر البشرى وتجعله محورا لها، فهى ضرورة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية وضمان نجاحها واستمرارها ، فعمليات النمو الاقتصادى تعتمد بالدرجة الأولى على المهارات الإنسانية أكثر من اعتمادها على رأس المال المادى، والدراسات الميدانية أثبتت ذلك، إذ أن المشكلة الأساسية لمعظم الأقطار النامية ليس الفقر فى الموارد الطبيعية، ولكن التخلف فى مواردها البشرية، إذ أن مهمتها الأولى بناء رأسمالها البشرى ، وهذا يعنى تحسين التعليم والمهارات لدى أفرادها.ولعلنا ، عندما نتأكد من أن هذا هو التشخيص الصحيح ، الذى يكتشف نوع الجرثومة، يسهل البصر بالوسيلة الناجعة...
إن هذه الوسيلة الناجعة تكمن فى المواجهة الشاملة للتخلف، مواجهته فى مستقره، ومقاومته فى مستودعه، ومنازلته فى مكمنه ، وهو المجتمع ، فى بنائه الاجتماعى، وفى تصوراته وعلاقاته ومهاراته ووسائله ، وذلك وصلا له بالمعاصرة، وإدماجا له فى دورة الحياة الوطنية والقومية، ثم إدخالا للدورة الوطنية والقومية فى دورة الحياة العالمية المعاصرة، وفى الوقت نفسه، يتم العمل على رفع أحد مظاهر ذلك التخلف عن الأفراد الأميين بتعليمهم رموز القراءة والكتابة والحساب، والمعلومات العامة، والتاريخ ، والسياسة ، وكل ما يجعل منهم ، مواطنين مشاركين ، لا أرقاما سكانية عاجزة فى ذاتها ، ومعوقة للآخرين . وكذلك فضلا عن ذلك، فيجب أن يُهيأ المناخ لقدوم حضارة الجماهير التى تختلف عمقا عن النظام الأرستقراطى القديم ، وهو تعليم الملايين من الناس حسنات النمو، وما قد يترتب عليه من آثار جانبية سلبية فى الأخلاقيات خاصة ، وجعلهم يساهمون وجدانيا بالإنجازات التى تؤسسه ، وإعطاؤهم دورا عادلا فى التوزيع الذى يلزم عنه ، ومساعدة من هم ليسوا بقادرين على المطالبة.
كذلك لابد من الوعى بأن اللامساواة فى التعليم والارتقاء الاجتماعى ليست منافية للعدالة فحسب، بل إنها تحرم المجتمع من أناس لهم قيمتهم، وتسبب عقم الإبداع والابتكار. ومن هنا فقد صدق القول أن المجتمع لا يقوم بأفراده النابهين وطبقاته السائدة، بل بالأفراد المغمورين والطبقات المحرومة كذلك.
معالم الطريق الحضارى لقهر الأمية:
وعندما نمعن النظر فيما يجب فعله، التزاما بالمنظور الحضارى للأمية، نجد أنفسنا أمام عدد من المعالم التى ترشد السائر على هذا الطريق ، مثل:
-إيجاد علاقات تعليمية وتبادلية بين نظام محو الأمية وأنواع ومراحل التعليم النظامى أكاديميا كان أو فنيا.
-اتخاذ إجراءات فى خطط التعليم تكفل التكامل بين كل من التعليم الابتدائى وجهود محو الأمية ، تؤدى إلى ضمان تعليم جميع الأفراد الذين تقع أعمارهم ما بين السادسة والرابعة عشرة.
-بذل مزيد من من الجهد لتطوير مستوى التعليم فى كل من المرحلة الابتدائية ومحو الأمية، بحيث يحققان للمتعلم القدرة على الانطلاق فى القراءة والكتابة واستعمال الرياضيات، واستخدام هذه المهارات كوسيلة فعالة فى اكتساب المعلومات والمهارات التى يحتاج إليها، والتى تمكنه فى نفس الوقت من المشاركة الفعالة، كعضو فى المجتمع ، فى جميع مناشط الحياة .بذل مزيد من الجهد فى مؤسسات إعداد المعلم لتخريج المعلم القادر على التدريس للكبار.
-تغيير النظرة إلى مفهوم محو الأمية كما يشيع فى بعض البلدان العربية- من مجرد مساعدة الأمى على التهجى، وقراءة بعض الكلمات والجمل، إلى تمكينه من الاندماج فى مجتمعه والسيطرة على مقدراته ومواصلة السير فى دروب المعرفة.
-وضع معايير محددة ، وفقا لمتطلبات العمل فى مجال محو الأمية لاختيار القيادات اللازمة للعمل فى هذا الميدان.
-إتاحة الفرص التدريبية المتنوعة أمام العاملين بمن فيهم القيادات فى مجالى محو الأمية وتعليم الكبار- لتجديد معلوماتهم واتصالهم بالخبرات الجديدة واكتسابهم المهارات المستخدمة فى الميدان.
-إعطاء الأولوية فى برامج محو الأمية للفئات التى هُمشت من قبل فترات طويلة، مثل المرأة، وسكان العشوائيات، والفقراء، ومواطنى الأطراف الحدودية، وجملة من يعشون فيما يوصف بقاع المجتمع.
-إجراء بحوث ودراسات منظمة عن الطريقة المثلى لوصول خدمات محو الأمية إلى من تحول ظروفهم دون وصول الخدمات إليهم ، وكيفية التغلب على المعوقات التى تمنعهم من الالتحاق بالدراسة، أو الاستمرار فيها، ضمن مخطط عام للبحوث والدراسات الرامية إلى التغلب على مشكلات العمل، وإيجاد منافذ وأساليب وطرق جديدة تدفع وتحقق تطويره ، حسب الظروف المتغيرة والمتجددة.
-اتخاذ إجراءات وتنظيمات من خلال المؤسسات السياسية والجماهيرية ، لنشر اتجاه عام بين المواطنين ضد الأمية، حفزا للأمى على التعلم، وللمتعلم على المشاركة فى الجهود.
-استثمار ما يوجد فى الدين والتراث العربى الإسلامى والوطنى المصرى، من حوافز معنوية تحث الفرد على التعلم وضرورته ، خاصة وأن الدين فى الوطن العربى من القوى الأساسية فى تحريك السلوك الإنسانى، بعيدا عن صور الغلو والتشدد والمخاصمة.
والله من وراء القصد...










لمزيد من مقالات د.سعيد اسماعيل على


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.