شرف الجندية في الإسلام لا يدانيه شرف، ولكنه عند المصريين تحقيق لنبوءة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جندا كثيفا فإنهم خير أجناد الأرض فإذا شرف الجندي بانتسابه الى الإسلام، فإن شرف الجندي المصري أعلى منزلة وأرفع مكانة لأنه تصديق لنبوءة خاتم الأنبياء والمرسلين. فلا ريب أنهم خير أجناد الأرض صبرا ومثابرة ورباطا ومرابطة ونظاما وتدريبا وقوة واحتمالا.. وما شهادات القادرة العسكريين الغربيين عن الجندية المصرية إلا اعترافا بفضلهم على كل جنود العالم في المناورات العسكرية المشتركة، لما تتميز به من الفداء والتضحية والبسالة والإقدام حتى ضربت أروع الأمثال. ومع قرب حلول عيد الفطر المبارك وجه علماء الدين رسائل إلى أبناء مصر البررة المرابطين على ثغورها في كل مكان والمدافعين عن الأرض والعرض والأمن والأمان. وقال الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، إن من أشرف الأعمال على وجه الأرض الدفاع عن البلاد والعباد ضد الاعتداءات الخارجية لحماية الأرض والعرض يعد من الجهاد في سبيل الله، والمقتول حينئذ شهيد، كما أن المقتول من المعتدين بالنار وبئس القرار ويتجلى ذلك في غزة الأحزاب، إذ كان المسلمون فيها بداخل المدينة وأتى إليهم المشركون من كل جانب فاستشار النبي، صلى الله عليه وسلم أصحابه، فأشار عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه في عمل الخندق، وقد أخذ الله المشركين في هذه الغزوة وقد سجل الله تعالى هذا العمل البطولي للدفاع عن المدينةالمنورة بأن سمى سورة كاملة في القرآن (سورة الأحزاب)، ولا يستطيع أحد أن ينكر على المصريين دفاعهم عن سيناء، بل وعن كل جزء من ارض الوطن. رسائل لمن قتل الجنود وأضاف : نقول للجنود الذين يدافعون عن البلاد والعباد إن من قتل منكم فهو شهيد، قال صلى الله عليه وسلم (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد). ونقول لهؤلاء البغاة الذي أتوا من كل جانب لاحتلال بعض أراضي سيناء، لقد غرر بكم تجار الدين، وعلموكم خطأ أن الاعتداء على الجنود المصريين يعد من الجهاد، نقول لهم ولمن غرر بهم، اسمعوا هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، أريت إن جاء رجل يريد أخذ مال قال فلا تعطه مالا، قال أريت إن قاتلني؟ قال قاتله، قال أرأيت إن قتلني، قال فأنت شهيد، قال أرأيت إن قتلته قال هو في النار) رواه مسلم في صحيحه، وها نحن نقول لكل من يسلك هذا السيبل لا تسمعوا إلى تجار الدين ودعاة العنف، فمن اقترب منكم من أرض سيناء كان مصيره كمصير السابقين، وأنتم جميعا بغاة وفي النار بمقتضى هذا الحديث. وأقول لكل جندي مرابط ما قاله الله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). شرف عظيم من جانبه قال عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الأزهر إن الإسلام جعل الانخراط في صفوف الجندية شرفا عظيما, وسبب من أسباب استحقاق صاحبه الأجر, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ,وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ, أَوْ يُرْجِعَهُ سَالِمًا بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ «, ولهذا كان المسلمون يتسابقون للانخراط في صفوف الجندية, حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يختار لها إلا من كان له جلد وطاقة على القيام بأعبائها, مما دفع بعض الصحابة أن يظهر بمظهر القادر المطيق رغبة منه في أن ينال هذا الثواب, وإن لم يكن مطيقا لأعمال الجندية, فهذا عبد الله بن عمر يقف في صفوف الرجال يوم أحد يتظاهر بأنه بلغ مبلغ الرجال, متطاولا بين الصفوف واقفا على أطراف أصابعه, وكانت سنه أربع عشرة سنة, فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم لصغر سنه, كما رد جماعة من الغلمان لصغرهم منهم: أسامة بن زيد, وزيد بن ثابت, وغيرهم. موضحا أنه من فرط حب المسلمين للانخراط في صفوف الجندية, أن جماعة من الصحابة لم يكن لهم وسيلة يحاربون عليها في غزوة تبوك, ولم يكن لدى النبي صلى الله عليه وسلم ما يمدهم به من وسائل نقلهم إلى أرض القتال, تولوا وأعينهم تفيض من الدمع, وقد قص القرآن علينا قصة هؤلاء, فقال الحق سبحانه: (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ), وقد سطرت كتب السير والتاريخ الكثير من قصص تسابق المسلمين إلى المشاركة في هذا المجال, بما يؤكد فضل ومكانة وشرف الانخراط في صفوف الجندية. ويهدي الدكتور جمال إبراهيم مدير عام الإرشاد الديني بوزارة الأوقاف، هذه الرسائل لجنود مصر الأوفياء، قائلا: أيها المرابط في سبيل الله اثبت فجزاؤك الجنة، أيها المرابطون في سبيل الله أنتم من قال فيهم النبي، صلى الله (وعين باتت تحرس في سبيل الله) أيها المرابطون في سبيل الله بكم يعم الأمن على البلاد والعباد وهذه نعمة من أجل النعم من تسبب في وجودها يكون في أمن وأمان الله تعالى. أخلاقيات الجندية ويقول الشيخ عاصم القبيصي، مدير عام بأوقاف القاهرة وإمام مسجد النادي الأهلي، من الضوابط الأخلاقية التي تحكم سلوك الإنسان في مجتمعه أخلاقيات الجندية، والغاية من أخلاقيات الجندية في الإسلام مكانة عظيمة، فهي تعني حراسة الإسلام وحماية الأوطان، ولا يستقيم بناء المجتمع المسلم بدونها، وفي صلاحها صلاح للمجتمع، ولا يستقيم بناء المجتمع المسلم بدونها، فهي التي تهدف إلي إقرار الحق وإقرار العدل والسلام والدفاع عن العرض والأرض والمال. ولذلك اهتم الإسلام ببناء الجندي المسلم بناءً متميزًا، وإعداده روحيًا ونفسيًا وخلقيًا وجسميًا وعسكريًا، فلقد أرسي الرسول (صلي الله عليه وسلم) مبادئ الجندية وكان صلي الله عليه وسلم هو القائد الأعلى للجيوش، وقد اتبع نظام الصف، وقد كان يرفع الروح المعنوية للجنود ويحثهم علي الصبر والتضحية، كذلك كان يعد للمعركة الإعداد الجيد ويشرف علي ذلك بنفسه، وإنما هي التعود علي الانضباط والالتزام بالأخلاق والمبادئ السليمة، وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يعتمد علي القوي المعنوية التي أصبحت من المبادئ والعوامل الحاسمة للنصر، وإن ما تتميز به العسكرية الإسلامية هو الامتناع عن العدوان، وفي نفس الوقت القدرة علي رد العدوان وقهره، فمن لا يتقن فن الجندية لا يتقن فن القيادة. السمع والطاعة والانضباط وأضاف: إنه لا جندية بغير يقظة دائمة وشعور ذاتي مستمر وفاعلية مؤثرة وهمة عالية وتجرد صادق وتضحية لازمة وهي التي تبني علي السمع والطاعة والانضباط، الدقة في العمل والتنفيذ والنشاط الذي ينتج العطاء المبدع والوفاء الكامل للدين والوطن واستصحاب نية الشهادة في سبيلهما إذ أن النصر أساسه الاعتماد علي الله وإخلاص النية لله، وكان إعداد المسلمين ولقد قال رسولنا الكريم: (اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا ). ويندرج كل هذا في أخلاق الجندي، من انضباط الأخلاق وتحريم الأعمال غير الخلقية، والثبات وعدم الفرار، كما يجب مراعاة العدل، والإحسان في القتال، وشدَّد الإسلام على وجوب الصدق والمحافظة عليه وهو أن يكون الإنسان أميناً مع قيادته ونفسه وأمته وأميناً على كل عهد وميثاق يلتزمه. الجندية نوعان ويقول الشيخ محمود أبو حبسة وكيل وزارة الأوقاف بالجيزة، إن هناك نوعان من الجندية، نوع على حق ونوع على باطل، فالأول هو من يدافع عن أرضه وعرضه وماله ودينه، أما النوع الذي على باطل فهي جندية مستأجرة لم تقم على مبدأ نبيل البتة إنما استئجار من طاغية دينهم الدرهم والدينار، فهؤلاء كسحرة فرعون قبل ايمانهم قالوا: (إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين)، ويقول الله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)، أما جندية الباطل فلا أخلاق لها ولا شرف بل غدر وخيانة (لا يرقبون بمؤمن إلا ولا ذمة)، فأهل الباطل لا أخلاق لهم ولا عهود خاصة مع أهل الإيمان، وكان مما يوصي النبي به في الحروب (باسم الله وعلى ملة رسول الله لا تقتلوا شيخا كبيرا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)، فجندية الباطل جندية آثمة ومآل جندها النار وما عجل لهم من ألم وجراحات في الدنيا إنما هو مما يعجل لهم من العذاب في الدنيا قبل الآخرة، أما جندية الحق والعدل فهي مما يثاب عليها العبد في كل هم ونصب وألم يجده (ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، قال تعالى: (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون)، وقيمة الجندي في سلاحه الذي يدافع به عن نفسه وعن وطنه، لذلك يوجه الله عز وجل المسلمين أن يهتموا بأسلحتهم وألا يغفلوا عنها، وذلك في قوله تعالي: ( ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ) (النساء: 102)، كذلك فإن الدرس الأول للجندي هو أن يحافظ علي سلاحه محافظته علي حياته.