بعد عام واحد على الإعلان الذي أصدره تنظيم "داعش" الإرهابى في 29 يونيو 2014 عن قيام ما أسماه "دولة الخلافة"، تتقافز الى الأذهان العشرات من علامات الاستفهام حول مدى قوة هذا التنظيم وعلاقته بالمخططات الغربية التوسعية فى المنطقة العربية، ومصادر تمويله وتسليحه فى ظل الحرب التى أعلنتها الولاياتالمتحدة قبل أكثر من 10 سنوات ضد الجماعات الارهابية، وفي الذكرى الأولى لهذا الإعلان، يواصل التنظيم عملياته التوسعية، رغم العمليات الجوية التي يقودها ائتلاف دولي بقيادة أمريكية ضده. الإعلان عن تأسيس "داعش" لم يكن بين عشية وضحاها، ولكن سبقته مراحل بدأت من زراعه التنظيم بذرته الأولى عبر جماعة "التوحيد والجهاد" عام 1999 ومبايعته لتنظيم القاعدة في 2004 مرورا بإعلان "الدولة الإسلامية في العراق" في 13 أكتوبر 2013، ومن ثم سيطرته على مناطق في سوريا في الثلث الأول من عام 2013 وانفصاله عن القاعدة في 3 فبراير 2014 وصولا إلى إعلان الخلافة في العراقوسوريا ورفع راية "داعش" من مدينة حلب في شمال سوريا وحتى محافظة ديالى شرق بغداد. اليوم، وبعد مرور عام واحد فقط على إعلانه، استطاع التنظيم السيطرة على أكثر من نصف الأراضي السورية وثلث الأراضي العراقية بمساحة إجمالية تقارب 195 الف كيلومتر مربع، يفرض فيها قوانينه المتشددة في تطبيق الشريعة الإسلامية مستخدما أساليب التخويف والإرهاب، كما استطاع استمالة مبايعين له من تنظيمات إرهابية أخرى مثل تنظيم «بوكو حرام» فى نيجيريا، و«أنصار الشريعة» فى ليبيا واليمن، و«مجلس شورى مجاهدي درنة» بليبيا، و«أنصار بيت المقدس» بسيناء، و«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» بالجزائر، و«حركة المرابطون» فى موريتانيا، و«مجاهدي القيروان» فى تونس، وحركة «خراسانف» فى افغانستان. وقد أظهر التنظيم خلال عام على إعلانه أبشع أدواته لترويع البشرية وتعزيز سمعته الدموية، فارتكب جرائم بحق المدنيين، وانخرط في خطف النساء والإتجار بالبشر، ونفذ الآلاف من عمليات الإعدام الجماعي، ودمر الآثار التاريخية على الملأ، واستخدم كل الوسائل التكنولوجية الحديثة من أدوات تصوير وإنترنت لنشر ثقافته المدمرة. وبناء على تقرير دولى قدم لمجلس الأمن الدولي أواخر مايو الماضي، قدر عدد المقاتلين في صفوف "داعش" بين 25 و30 ألفا، معظمهم أجانب، وذكر التقرير أن عدد مسلحي التنظيم ازداد خلال الأشهر القليلة الماضية بمقدار 70%، إذ جاء المتطرفون الجدد من أكثر من 100 دولة بالعالم. وتشير الإحصائيات إلى أنه من بين كل تسعة مجندين عائدين، هناك احتمالية أن ينفذ واحد منهم أو أن يحاول تنفيذ عملية إرهابية في بلده الأصلي أو في بلد آخر، وهذا ما يدفع الحكومات حول العالم لتشديد الاحترازات الأمنية تحسبا لأي هجمات متطرفة، وتخوفا من نمو التطرف عالميا وتوسع ايديولوجية التنظيم الدامية لتتعدى معاقله الجغرافية. وفي تقرير أعده المرصد السوري لحقوق الانسان ذكر ان تنظيم "داعش" نفذ منذ اعلانه اقامة "الخلافة"، أكثر من 3 آلاف عملية اعدام في سوريا منهم 1787 مدنيا بينهم 74 طفلا، ذبحا او صلبا او رميا بالرصاص او إلقاء من مرتفعات او رجما او حرقا... كما قتل آلافا آخرين في المعارك التي خاضها التنظيم على جبهات عدة ضد قوات النظام او مقاتلي المعارضة او المقاتلين الاكراد. وكان آخرهم 223 مدنيا كرديا قتلوا على يد التنظيم في غضون 48 ساعة الاسبوع الماضي في منطقة كوباني في محافظة حلب شمال سوريا "بالرصاص او الاسلحة البيضاء"، بحسب تقرير المرصد. أما في العراق فلا يوجد احصاء لعدد ضحايا التنظيم، إلا ان العمليات الانتحارية تتوالى بشكل شبه يومي حاصدة مزيدا من الخسائر البشرية والدمار، بينما تجد القوات الحكومية صعوبة بالغة في استعادة مناطق خسرتها في فترة قياسية. ويذكر أنه منذ يونيو العام الماضى، استطاع التنظيم زرع عناصره في ليبيا، حيث سيطر على مدينة سرت الى الشرق من طرابلس مغتنما الفوضى الغارقة فيها ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011. أسباب التقدم بالفعل حققت "داعش" نتائج كبيرة وملموسة فى ميزان قوة أى تنظيم من التنظيمات الإرهابية، هذا ما يؤكده المستشار خالد مطاوع الخبير فى الأمن القومى، وقال انه بالنظر الى حداثة "داعش فإنها تخطت حاجز الانجازات فى سجلات الارهاب إذا ما قورنت بتنظيمات أخرى مثل "الإخوان المسلمين"الذى تأسس منذ أكثر من 80 عاما وتنظيم القاعدة – 30 عاما – و"الجهاد المصرى" – 40 عاما – وتنظيم "الجماعة الإسلامية"، إلى آخر تلك التنظيمات التى لم تحقق أية نجاحات على الأرض مثل التى حققتها داعش بعد أن امتلكت كل مقومات الدولة. وحول الأسباب التى ساهمت فى تحقيق "داعش" لتلك النتائج، يقول مطاوع إن هناك ثلاثة محاور رئيسية ساهمت فى هذا النجاح، هى وجود استراتيجية واضحة وراسخة فى عقيدة هذا التنظيم فى خلق كيان دولى له أبعاد وحدود جغرافية، كما أن الظروف الاقليمية المواتية ساهمت أيضا فى تمكين هذا التنظيم من تحقيق الكثير من أهدافه ومخططاته، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مثل انهيار دولة العراق واشتعال الوضع فى سوريا وعدم حل القضية الفلسطينية وتعطل مسارات السلام بين العرب وإسرائيل، بالإضافة الى موجة ما يسمى بالربيع العربى التى جعلت الكثير من البلدان العربية تواجه مصيرها منفردة، وأيضا التأجيج الإيرانى للخلافات المذهبية بين السنة والشيعة فى المنطقة. وقال خبير الأمن القومى اللواء خالد مطاوع إن المحور الثالث من المحاور التى ساهمت فى نجاح هذا التنظيم هو حالة التراخى الدولى فى مواجهته،.. "فكيف لنا أن نصدق أن تحالفا دوليا بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية لم يحقق أى تقدم خلال عام كامل فى سبيل خطة القضاء عليه"، وأوضح أنه إذا نظرنا بعمق إلى هذاالوضع الدولى المتراخى فإننا سنصل إلى أن تنظيم داعش الإرهابى هو نفسه جزء من المخطط الغربى التآمرى الذى يسعى باستماتة الى تفتيت المنطقة وتقسيمهاويتخذ من الدين الاسلامى ستارا له، وفى إطار سعى الغرب إلى إيجاد كيان موحد لدولة إسلامية جديدة تستوعب كل المنتمين للفكر التكفيرى والأفكار المتشددة والمتطرفة يتم تهجير كل العناصر الموجودة على أراضيها إليهاباعتبارها "الدولة الإسلامية" الحلم. ألغاز التمويل والتسليح تظل عمليات الدعم اللوجيستى ومنها التمويل والتسليح لغزا كبيرا.. هكذا يرى اللواء خالد مطاوع، الذى أكد أن تمويل العمليات الحربية التى تقودها "داعش" ضد الجيشان العراقى والسورى و«جبهة النصرة» فى سوريا تتطلب أموالا ضخمة تتجاوز ميزانيات دول كبيرة خاصة مع طول أمد هذه العمليات، فداعش لا تنفذ عمليات خاطفة مثل تلك التى تقوم بها تنظيمات الارهاب فى أى دولة، ولكنها عمليات ممتدة ومنظمة تتطلب ميزانيات حرب باهظة، أما فيما يتعلق بالتسيلح فقد استولت "داعش" على كميات كبيرة من المعدات العسكرية جراء عملياتها فى العراقوسوريا، لكن يبق اللغز فى امكانياتها فى توفير الذخائر وقطع الغيار والوقود اللازم لهذه المعدات الأمر الذى يؤكد أن هناك قوى دولية تلعب دورا خفيا فى إمداد هذا التنظيم بكل متطلباته حتى يظل مستمرا وفاعلا فى مناطق الصراع. "داعش" وسيناء يؤكد اللواء مطاع أن من أكبر الأخطاء التى طرحت فى الفترة الماضية ارتباط ما يحدث فى المنطقة المتاخمة للحدود الشرقية لشمال سيناء بأنشطة "داعش"أو اعتبارها ضمن عمليات داعش فى سيناء أو فى مصر بشكل عام، وذلك لأن جماعة "أنصار بيت المقدس" التى تتخذ سيناء مسرحا لعملياتها الاجرامية هى التى بادرت بمبايعة "داعش" ولم تكن داعش هى المؤسس لأنصار بيت المقدس فى سيناء أو أى تنظيم فى سيناء مثل "التوحيد والجهاد" التى نفذت عمليات إرهابية فى سيناء فى الفترة من 2005 وحتى 2011، كما أنه لا يمكن اعتبار اعلان "بيت المقدس" بمثابة ارتباط تنظيمى وثيق أو هيكلى بتنظيم "داعش"، ولكنه عبارة عن استجداء لوجيستى ومعنوى وإعلامى سعى اليه "بيت المقدس" بعد ثورة 30 يونو ونجاح الشعب فى إزاحة تنظيم الإخوان الداعم الرئيسى للإرهاب فى المنطقة، والدليل على ذلك هو عدم إعلان تنظيم "أنصار بيت المقدس"عن ولائه لداعش إلا بعد انهيار حكم الاخوان وإعلانه تنظيما ارهابيا وكشف خيوط الاتصال بين قيادات الاخوان وعناصر بيت المقدس خلال فترة أحداث رفح الأولى والثانية. وبالتالى فإنه أصبح من الصعب الفصل بين "الإخوان" و"أنصار بيت المقدس" و"داعش".. جميعهم تنظيمات إرهابية تسعى الى زعزعة الاستقرار فىمصر، ويواجهون نفس المصير أمام مصر 30 يونيو التى عادت إلى أشقائها العرب.