كلما تهل علينا ذكرى الاحتفال بثورة 23يوليو1952 وزعيمها جمال عبد الناصر نتذكر على الفور - نحن أبناء هذه الثورة المجيدة - هذه النخبة العظيمة من أساطين الموسيقى وكبار الشعراء ونجوم الغناء الذين وقفوا معها منذ اللحظة الأولى وساندوها وتحمسوا لزعيمها البطل جمال عبد الناصر ذلك الحلم الذى راود كل المصريين بمختلف فئاتهم وأعمارهم الذى حقق لهم الاستقلال والحرية وقضى على الاقطاع ، فأبدعوا لها أروع الأناشيد والأغانى التى رددتها الجماهير فى المدن والقرى والنجوع والكفور والتى مازالت هذه الجماهير ترددها فى كل الثورات والأحداث الوطنية وحتى ثورة 30يونيو، هذه النخبة التى ظهر تحمسها من البداية نقصد منهم سيدة الغناء العربى أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وعندليب الأغنية عبد الحليم حافظ وأذكر أيضاً كواحد من الشعراء الذين عاصروا الثورة وتابعوا انجازاتها العظيمة التى أرختها هذه النخبة بالأغنية أن الإذاعة المصرية كانت تستعد لكل احتفال بهذه الثورة المجيدة قبل موعده بثلاثة أشهر وتبدأ فى البحث عن نجوم الغناء الذين يقع عليهم الدور فى احتفال كل عام وتحجز استوديوهاتها والفرق الموسيقية التى تتابع نجم الغناء فى هذا العام والإذاعيين الذين يغطون هذا الاحتفال الكبير الذى يذاع على الهواء من نادى الضباط بالزمالك وتنتظره الجماهير أو يتم تسجيله باستوديوهات الاذاعة وعمل مونتاج لهذا العمل ثم اذاعته على جميع محطات الإذاعة، وأخصص هذا المقال لحكاية النجوم الثلاثة الذين وقع عليهم الدور فى هذه المناسبة الوطنية وأقصد بهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذى قدم رائعته «أكبر حب» (والله وعرفنا الحب) التى لحنها وغناها بنفسه تقديراً منه للزعيم جمال عبد الناصر وأبدع كلماتها الشاعر حسين السيد المؤلف «الملاكى» لعبد الوهاب الذى كتب له معظم أغانيه وعندما قرأ عبد الوهاب الكلمات طلب منها الحضور اليه فى المساء بشقته المطلة على النيل بالزمالك، فانبهر عبد الوهاب بكلماتها حيث كان حسين السيد يجيد القاء الشعر كما عرفت وكنت قريباً منه، فرأى عبد الوهاب أن يغنى هذه القصيدة بنفسه بعد تلحينها وكان حسين السيد يرى أن عبد الوهاب سيختار عبد الحليم حافظ لغنائها ولكن حرص عبد الوهاب على أن يغنيها بنفسه تقديرا ً منه لثورة يوليو وزعيمها جمال عبد الناصر شعر حسين السيد بأن هذا الاختيار فى محله وكان سعيداً بهذا الرأى لأنه أيضاً كان محباً للثورة وزعيمها، وترك حسين السيد الموسيقار عبد الوهاب ليعود اليه بعد ثلاثة أيام بعد أن علم أنه بدأ فى تلحين المذهب والكوبليه فانبهر حسين السيد باللحن واتصل عبد الوهاب بالموسيقار أحمد فؤاد حسن قائد الفرقة الماسية ليجهز نفسه للأغنية، وكان من عادة عبد الوهاب ما أن ينتهى من التلحين يدعو بعض أصدقائه المقربين منه للقائه فى منزله لسماع أول بروفة على العود لهذا اللحن – ومنهم د.مصطفى محمود وكمال الملاخ وكذلك بعض السفراء العرب فى جلسة ودية لأخذ رأيهم والذين انبهروا بهذا اللحن واتصل عبد الوهاب بالموسيقار أحمد فؤاد حسن لتكليف أحد المتخصصين فى كتابة النوتة الموسيقية للحضور معه والذى جلس معه واسمعه اللحن وكتبه كاملاً على مدى ثلاثة أيام واستغرقت كل جلسة ثلاث ساعات، وبعد انتهاء النوتة الموسيقية كلف كاتب النوتة طبع 35نسخة منها لتوزيعها على أعضاء الفرقة الموسيقية والكورال، والحضور فى اليوم التالى لبدء البروفات فى ستوديو46 بالإذاعة وبحضور عبد الوهاب ومهندس الصوت زكريا عامر المتخصص فى تسجيل اغانى عبد الوهاب وعبد الحليم، حرص حسين السيد على حضور هذه البروفات من أولها ربما يحتاج عبد الوهاب أثناءها لتغيير بعض الكلمات وكان عبد الوهاب سعيداً وهو يعزف على العود ويغنى المقطع الذى أبهر الفرقة والمؤلف الذى يقول فيه: والله وعرفنا الحب والحب فى بلدنا اتعلمناه والله .. من يوم ما صادفنا القلب والقلب أطهر قلب عرفناه .. كان هو حبيب الشعب والشعب شاف ليلة قدره معاه .. وإلى أن وصل إلى المقطع الذى أثار إعجاب أعضاء الفرقة والمؤلف ومهندس الصوت الذى يقول فيه: حلم وكان يراودنا من أجيال ويواعدنا والله .. وعاش من شافه طال السما بكتافه .. وبأرواحنا عاهدناه وبحياتنا ناصرناه .. أكبر من ده حب مافيش غير حب الله وحبيب الله، ورددته الفرقة خلف عبد الوهاب أكثر من مرة .. ثم انتقل إلى المقطع الذى يقول: كانوا زمان بيعلموه لنا املا وانشا ورص كلام .. وياك انت اتعلمناه ثورة حب ونور وسلام .. حب الخير كان رائدنا جوه بلدنا وبره بلدنا واللى عليه .. فى بلاده شاركنا بجهاده وبأرواحنا عاهدناه ونصرناه، وقد أثار انتباهى خلال البروفات التى حضرت جانبا منها مع حسين السيد ، وصفه لجمال عبد الناصر بقوله «والله وعاش من شافه ..طال السما بكتافه» وأبديث له اعجابى بهاتين الشطرتين وظللت أفكر فيهما وفى مدى كفاءته كشاعر لوصف الزعيم البطل، ومرت الأيام والشهور ومازلت هاتان الشطرتان عالقتين فى ذهنى إلى أن زف إلينا الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام نبأ زيارة جمال عبد الناصر للأهرام فى أول نوفمبر سنة1969 وطلب منا الأستاذ ممدوح طه – رحمه الله – رئيس قسم الأخبار فى ذلك الوقت نحن المحررين الشبان الحضور مبكراً قبل الموعد المحدد بثلاث ساعات على الأقل وكان الموعد فى السابعة مساءً وكنا نجلس فى صالة التحرير قبل وصول الرئيس بفترة وزيارته لأقسام الأهرام المختلفة وطلب منا رئيس قسم الأخبار الجلوس فى أماكنا دون حركة حتى تنتهى زيارة الزعيم للأهرام والتى استغرقت – كما أتذكر – أربع ساعات من السابعة حتى الحادية عشرة مساءً وسلمه الأستاذ هيكل الطبعة الأولى، ولما دخل الزعيم إلى صالة التحرير كانت لحظات فى غاية السعادة حين سلم علينا واحداً واحدا إلى أن وصل إلى مكتبى وحاولت الوقوف لأسلم عليه وظللت أمعن النظر إلى شموخه وطول قامته وهيبته وحدة نظرته وتذكرت على الفور الشاعر ما قاله حسين السيد الذى فى وصف شخصيته وصدق كلماته التى عبرت عن شموخ الرئيس حين قال، والله وعاش من شافه طال السما بكتافه، بعد أن انتهت الزيارة بيومين زرت الشاعر حسين السيد فى مكتبه فى العمارة المطلة على ميدان الأوبرا بالطابق الرابع وكانت تشتهر بمحل الأقمشة المعروف فى ذلك الوقت باسم نور سالم، وأبديت له اعجابى به كشاعر ورويت له زيارة الزعيم للأهرام ولقائى به مع زملائى المحررين ومدى احساسى بصدق تعبيره ووصفه للزعيم حين رأيته وجهاً لوجه، ومن شدة اعجابى لهذه الرائعة التى لحنها عبد الوهاب وغناها بنفسه أهدانى الشاعر حسين السيد نسخة من التسجيل الاذاعى الذى تم بحضور مجدى العمروسى مستشار صوت الفن الذى تسلم نسخة من أخر بروفة من مهندس الصوت زكريا عامر وطبع منها آلاف الأشرطة والتى تم توزيعها فى نفس يوم 23يوليو عيد الثورة، وحققت نجاحاً ساحقاً التى انتشرت انتشاراً كبيراً رددتها الجماهير وأذكر أن بعض مشاهير الغناء تغنوا بها أيضاً وتناقلتها الاذاعات الأخرى العربية مشاركة منهم فى عيد الثورة وفى النهاية لن ينسى جيلنا ما قاله الشاعر عن الزعيم جمال عبد الناصر رغم كل السنوات التى مضت ولن ينسى صوت عبد الوهاب فى أدائها كمؤسس لمدرسة الغناء الأصيل «والله وعاش من شافه .. طال السما بكتافه» مؤسس مدرسة الغناء الأصيل خاصة فى هذين البيتين.