لماذا العنوان بالإنجليزية يا عم ومعظمنا إنجليزيته- يعنى- نص نص؟ هل لأن اللغة العربية- لا سمح الله- أصابها الهزال والوهن فهرمت ولم تعد تسعفنا للتعبير عما يجيش فى النفس وتحتدم به الروح؟ أم لأن ما يجرى على الأرض من أهوال قد سبق اللغة بخطوة فأصابها العته فراحت تتهته؟ أم تراها مجرد «حذلقة»، وخالف تعرف، ورغبة فى المنظرة والسلام؟ لا والله.. لا هى هذا ولا ذاك ولا تلك.. بل إنه الملل.. وقاكم الله شر الملل. نعم.. لقد ملّت من تفاهتنا اللغة حتى مللنا نحن أيضا منها! يا أخى.. صرنا نسمع ونشاهد ونقرأ، كل ساعة وكل يوم، فى الإذاعة والتليفزيون والجرائد، كلاما بالعربى يملأ قفّة، ومع ذلك لا حياة لمن تنادى، كأنك- والعياذ بالله- تخاطب أمواتا.. ومتى كان الموتى يسمعون النداء؟ نتناحر ونتشاجر، بل ويقتل بعضنا بعضا- نحن أبناء لسان الضاد، ومع ذلك ما زلنا مصرين على تكرار ترديد الكلمات العتيقة نفسها التى سمعناها قبل ألف عام، عن الرحمة والتسامح، وحرمانية قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق. نتكلم ونقتل. نتكلم ونفجر السيارات والبيوت والمساجد والناس. نتكلم ونذبح ثم نبتسم فى بلاهة أمام الكاميرات.. فكأن هذا الدم الغالى ماء أو عصير أو شربات. ما هذا؟ هل أصابنا مس من جنون أم نحن منوّمون؟ لا ياسيدى لا هذا ولا ذاك، إنما نحن ديف. دامب. آند بلايند.. كما يقول العنوان. ديف؛ تعنى أصم (أطرش ولا مؤاخذة!).. ودامب تعنى أبكم(لسانه أكلته القطة). وبلايند تعنى أعمى (أى لا يرى من الغربال!).. كلنا أصبحنا هكذا، أو نكاد( لا نرى. لا نسمع. لا نتكلم).. كيف يا سيدنا وقد قلت قبل قليل إن كلامنا كادت تفيض به القفّة؟ نعم.. إلا أنه كلام أشبه بالثغاء (أصوات من الحلق تخرج لكنها بلا معنى ولا مبنى.. ولا طعم لها ولا لون ولا رائحة.. كلام والسلام!) .. وإلا فقل لى: لماذا تلك» المقتلة» ونحن فى شهر الصيام؟ إذن ما جدوى الصيام؟ وما جدوى الكلام؟ وأى قيمة للغة والمجرمون- باسم الدين- يخرجون على الصائمين المصلين الركع السجود بالمساجد فيفجرونهم تفجيرا؟ أو يزرعون قنابل المسامير والديناميت على الطرقات فيمزقوننا أشلاء.. أو يرموننا بالمولوتوف فيحرقوننا حرقا؟ عن أى لغة تحدثنى- يا هذا- والناس اليوم بين قاتل ومقتول؟ «ديف. دامب. آند بلايند».. هذا ما نحن عليه الآن؛ لا كلاما إذا قيل- بالعربى- نسمع، وإن سمعنا لا نرى، وإن رأينا لا نفهم.. فلعل الحديث بلغة العجم يكون عندنا أصوب! طيب.. وما الحل.. أليس أمامنا أى حل؟ بل هناك حل. إن الله تعالى الذى خلق الداء خلق الدواء.. ودواؤنا معروف لكننا نكابر. دواؤنا» انسف حمامك القديم.. وخليك جرىء!».. فلم يعد فى قوس الصبر من منزع.. والروح فينا قد بلغت الحلقوم.. والسفينة تكاد تغرق.. فماذا ننتظر؟ هيا يا خلق الله ألقوا بثقافتكم القديمة الموروثة البالية تلك فى أقرب فتحة صرف صحى.. وجددوا أفكاركم.. وكفانا بلاهة. ماذا تخشون؟ أن نضيع وتذوب منا الهوية؟ يا عم طظ.. وهل نحن الآن لا نضيع؟ إن نصف الأمة قد تفكك بالفعل.. وهاهو النصف الثانى فى الطريق. هيا هيا.. جددوا عتبات البيت فقد فاز باللذات كل مغامر وقعد بالحسرات كل جبان! هل تعرفون الآن لماذا جاء عنوان المقال بالإنجليزية؟ لأن « العربية» لم تعد ترو عطشا، أو تمنع قتلا، أو توقف نزيف الدماء.. لقد زهقت منا اللغة وتركتنا نهذى ورحلت.. ولعل فى لغة «الأسياد» المتحكمين الشفاء الناجع! لمزيد من مقالات سمير الشحات