منظومة الرثاء والشعارات العاطفية وبيانات الادانة والاستنكار التى تلى أبشع الحوادث الارهابية ،سواء اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات أو استهداف جنودنا بنهار رمضان فى سيناء ،،،، كلها انفعالات وقتية تنفجر على مواقع التواصل الاجتماعى و صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات لبضعة أيام .... ثم تهدأ المشاعر ويعود رواد الفيس بوك وتويتر إلى سيرتهم الاولى فى النميمة ، ليستعد المصريون بعدها لاستقبال عيد الفطر المبارك ، وشراء مستلزماته، وتطوى الصفحة الملوثة بالدماء ،والتى لن نتذكرها إلا إذا تكررت حوادث أخرى ،لا قدر الله. وربما كان التحرك الوحيد العملى المعلن حتى الان هو استهداف البؤر الارهابية ،والحديث عن تعديل قانون الأحوال الجنائية او سن قانون جديد لمكافحة الاٍرهاب....
والاجراءات السابقة من تصفية الإرهابيين وسن القوانين قد تكون كافية للقضاء على الارهاب التقليدى ومعاقبة من يتم إلقاء القبض عليه ،،،، لكن هل هذه المواجهة تكفى وحدها ؟! أعتقد أنها غير كافية ....
فالإرهاب الحالى الجديد،يختلف عن التقليدى ،الذى تجرعنا ويلاته فى التسعينيات،حيث كان الهدف المعلن للإرهابيين وقتها هو تطبيق شرع الله ،وكانوا يتحدثون عن الحاكمية ويستهدفون السياحة ويكفرون المجتمع وحاولوا اغتيال بعض رموزه الثقافية، ومع هذا اتخذت الدولة مسارات متعددة للقضاء على هذا الإرهاب الأسود، وفتحت ملف المراجعات الشهير فى السجون ..
أما الإرهابيون الجدد المنتشرين حاليا بشكل عشوائى فيدمرون الوطن بعدة دوافع ،كل منها يستحق أبحاثا ودراسات متأنية، فهناك دوافع سياسية وأخرى اجتماعية ،فضلا عن الدوافع الدينية والفقهية التى يستظل بها الإرهابيون حاليا،كفكرة إقامة الخلافة الإسلامية.
إن الدولة المصرية واجهت إرهاب التسعينيات بمسارين متوازيين " الأمن والسياسة " ،رغم إن الإرهاب كان أقل ضراوة وعنفا،وكان إرهابا منظما الى حد كبير ،أى تنتهجه جماعات معروف قياداتها وعناصرها للسلطات الأمنية، بخلاف الإرهاب الحالي، فله ألف رأس ...
إننا لا نواجه إرهاب تنظيم بيت المقدس ،الذى بايع تنظيم داعش،فحسب ،بل نواجه جماعات عنف عشوائي، تتشكل من عدة خلايا،معظم عناصرها غير معروف للجهات الأمنية، وأى خلية ارهابية يتم التوصل إليها يتم التعامل معها سواء بإلقاء القبض أو التصفية الجسدية ،و سرعان ما ينبت إرهابيون جدد على الفور ،ينفذون جرائم جديدة ، ثم يلقى القبض عليهم ،ليخرج إرهابيون آخرون ،،،وهكذا نعيش متوالية للعنف لا تنتهى ،و جرائم جديدة كل يوم ...
إذا كنّا نبحث عن طرق حقيقية لدحر الاٍرهاب ، فلنعلم أن المواجهة الأمنية وحدها ليست الحل الوحيد ،وأن إرساء قيم العدالة وإعلاء شأن الحريات ورعاية الشباب والإنصات إليهم وإلى ثوراتهم الداخلية، المتأثرة بالربيع العربى سيكون حلا للحاضر والمستقبل .