يا كون أنت مثالى وفى حياتى حياتك ألست مرآة نفسى وأننى مرآتك ومن جمالك روحى وملء روحى صفاؤك آراك سرا جميلا تبثه آياتك، ردد (أحمد زكى أبوشادى)هذه الأبيات فى محاضرة ألقاها بندوة الثقافة بالإسكندرية عام 1936، بعنوان (عقيدة الألوهة مذهبي)، ورد عليه العالم الرياضى (إسماعيل أدهم) الذى حضر الندوة، بكتيب صغير بعنوان (لماذا أنا ملحد)، جاء فيه: لما جهلت من الطبيعة أمرها.. وأقمت نفسك فى مقام معلل أثبت ربا تبتغى به حلا، للمشكلات فكان أكبر مشكل، أما أمير الشعراء أحمد شوقى فقال: قد علمنا كما علمت الهيولا.. ولكننا لم ننكر اليد الطولى! انفجرت فى ذلك الحين معركة ثقافية، بين أهل الإيمان ودعاة الإلحاد تصدرها المفكر الإسلامى (محمد فريد وجدى)، بحوار عقلانى بمجلة الأزهر حرص فيه على إبداء احترامه للدستور ولأدهم نفسه، وقال إنه مع انتشار العلوم الطبيعية وإطلاق حرية الكتابة للمفكرين، وكثر البحث فى العقائد، فنشأت معارك قلمية فى بحبوحة الحكم الدستوري، فلا نضيق ذرعا مادمنا على الحق، وهذا التسامح الذى يدعى أنه من العصر الحاضر ، هو فى الحقيقة من نفحات الإسلام نفسه، ظهر به آباؤنا الأولون، أيام كان لهم السلطان على العالم كله، فكان يجتمع المتباحثون فى مجلس واحد بين سنى ومعتزلى ودهري، فيتجاذبون أطراف المسائل المعضلة، فلم يزد الدين حيال هذه الحرية إلا هيبة فى النفوس، وعظمة فى القلوب وكرامة فى القلوب. كذلك رد (أبو شادى) بمقال «لماذا أنا مؤمن؟» انتقد فيه سلوك علماء الأزهر على رأسهم الشيخ (يوسف الدجوى) الذى رأى أن ذلك حدث جلل لا يمكن الصبر عليه!، ورأى (أبو شادي) أن الردود المتشنجة تفتقد لأدب الكتابة والنقد فقدانا تاما، اشتهر به معظم السادة المشايخ، الذين يسيئون للإسلام نفسه، قبل منتقوديهم، بذلك التصرف العجيب، ويرى أن الدين الحق لن تقوم له قائمة إلا بأمثال (محمد فريد وجدى) أولئك الذين يتبحرون فى اطلاعهم العصري، ويتجملون بمكارم الأخلاق، ويعرفون معنى التسامح الفكرى وأدب المناقشة والإقناع! سجال الإيمان والإلحاد فى ذلك الوقت، يكشف أن خدمة الفكرة الدينية أو غيرها من الأفكار، لا يأتى إلا بالقوة العقلية والروحية، لا بالقوة الإرهابية سلوكا ولفظا، وصاحب فكرة الإلحاد مات منتحرا بعد 3 سنوات، ولم يبق منه إلا أنه أشعل معركة ثقافية، انتصر فيها من تحاور بالتى هى أحسن، وكشفوا عن المضمون الأخلاقى الرفيع وإنسانية وأيضا عقلانية الإسلام خاصة، والإيمان عامة، وأعتقد أن أعداء الإسلام الآن لم يجدوا أجدى من إتاحة الفرص للمتطرفين والمتعصبين، ليقدموا أسوأ صورة للدين، حتى أن واحدا من أشهرهم بذاءة، يأتى بنصوص قرآنية، ويلوى عنق الآيات، ليثبت أن بذاءته من الإيمان! ورغم أننى لا أعتقد أن تاريخ المسلمين، لا الإسلام، كان متسامحا مع الملاحدة ولم يكن حوار أهل الإيمان ودعاة الإلحاد متسامحا، بدليل ما جرى لابن المقفع من تقطيع أوصاله، ولبشار ابن برد، وابن الراوندي، والكندى وغيرهم، حتى المتصوفة، الذين اختلفت تفسيراتهم ورؤاهم للدين عن السائد والمألوف، صلبوا وقطعوا وحرقوا، كالحلاج والشهروري.. ولم تخدم هذه المواقف الإسلام فى شيء، لأنها لم تهدف لذلك، بقدر ما هدفت إلى تقوية دعائم الحكم السياسى ، والاستغلال السياسى للدين، فى تخريب المجتمعات وترويع الناس وإلهاب الفتن وهدم العمران، وهو ما ارتكبه أهل الحكم فى قطر وتركيا من إيواء تيارات العنف الديني، لتحقيق أهداف سياسية على الأرض، تسوغ نفوذهم وهيمنتهم على البلاد العربية، بقرضنة الخطاب الدينى القائم على الغوغائية والديماجوجية لإلهاب عواطف الشباب، عديم الخبرة بالدين والدنيا، فيهدمون الوطن باعتباره كما يقول قطبهم ليس إلا حفنة تراب عفنة. أخطر ما يواجه المسلمين بعث الحروب الأخلاقية باسم الدين وليس إلحاد البعض من الشباب، الذين كفروا بالمشايخ فكفروا بالله جل جلاله -، مع أن الإلحاد فى التاريخ الإسلامي، كان يقتصر على عدم الاعتراف بالأنبياء، مع الإيمان الكامل بالله، إلا أن قبح وسطحية أبواق المتحدثين باسم الله، جعلت البعض يترك الدين كله، هربا من عبء القباحة اللفظية والسلوكية والعقلية للمتاجرين بالدين، إلا أن ذلك كله لا يشكل خطرا على الدين عامة والإسلام خاصة، لأن الإيمان بالله احتياج إنسانى فى الأساس فالإيمان بالله لازمة من لوازم الحياة، والإنسان لا يظل إنسانا إلا بروحه التى تهفو للمثل الأعلى والجمال الكامل وروح الوجود، أما قوة الإسلام فتبقى دائما إنه دين الفطرة، - اللهم ارزقنا إيمان العوام، واحترامه لكل المعتقدات، لأن الدين واحد منذ خلقت الدنيا , «وَإِنْ مِنْ أُمَّة إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِير»، فالإسلام يؤمن ويحترم كل الرسل «مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ»، والفكر الإسلامى التنويرى قادر على الحفاظ على الإسلام ضد الفاشية الفاشلة فى الحفاظ على أى جهد إنسانى متحضر، ومحاولة بعث الحروب الأخلاقية فى بلاد العرب والمسلمين سلاح فتاك للقضاء عليهم بأيديهم، كدول وأفراد ودين، فهذه الحروب وإن بدأت فلا نهاية لها إلا بنهاية أصحابها، وفى مصر البلد الذى أفلت بصعوبة بفضل تضحيات وحكمة رجالنا فى الجيش والشرطة، وكذلك المكون الحضارى للشعب، أن يبدأ الجهاد الحقيقى للعصر الحالي، وهو تنافس الشعوب المنتجة حضاريا، فالبقاء للأكثر إنسانية وأكفأ إنتاجا، أما الإيمان بالله فلا يحتاج لحروب وهمية لقتل الناس، فكما قال أحد العارفين إن لذة الإيمان لو علم الملوك بها لقاتلونا عليها بالسلاح! لمزيد من مقالات وفاء محمود