أثار توقيع حاكم ولاية تكساس الأمريكية على قوانين تتعلق بالسماح بحمل المسدسات وكشفها فى الشارع وحمل المسدسات فى حرم جامعة الولاية, تضاربا فى الآراء بالمجتمع ما بين مؤيد ومعارض لموضوع انتشار الأسلحة الشخصية فى أيدى وبيوت المواطنين العاديين. كما أثارت جريمة إطلاق النار داخل كنيسة السود فى مدينة تشارلستون بولاية كارولاينا الجنوبية قبل أيام مزيدا من الجدل حول جدوى استمرار تلك القوانين التى تسمح بتداول الأسلحة بين الأمريكيين مثل قطع الشيكولاتة، وخطورة استخدامها بين الحين والآخر فى جرائم القتل والفوضى والكراهية الدينية والعنصرية. فبالإضافة إلى جريمة تشارلستون التى استخدم فيها سلاح داخل كنيسة، فقد شهدت الولاياتالأمريكية خلال السنوات الأخيرة جرائم قتل فى العديد من المدارس، والجامعات، ودور السينما أودت بحياة المئات، وتنذر فى الفترة المقبلة بمزيد من المخاطر والحوادث كما تشير الأحداث الأخيرة. ويرجع ذلك أولا إلى سهولة تداول السلاح بين المواطنين, فالمجتمع الأمريكى لديه شغف لاقتناء السلاح، ومن طبيعى جدًا أن تجد سلاحا شخصيا فى كل بيت للاستخدام الشخصي، حيث تربط أغلبية الأمريكيين اقتناء الأسلحة بهواية الصيد المنتشرة فى المناطق الريفية, أو للدفاع عن النفس عند الضرورة, وهذا لا يقتصر على الرجال فقط فنجد أن هناك عددا كبيرا من الفتيات داخل الحرم الجامعى يحمل السلاح بغرض الحماية الشخصية من التحرش أو الاغتصاب. ويبلغ عدد الأسلحة الشخصية المملوكة من قبل المواطنين سواء مسدسات أو بنادق حوالى 270 مليون قطعة سلاح, أى أنهم يمتلكون 35% من إجمالى الأسلحة الشخصية فى العالم، مما يجعل الولاياتالمتحدة الدولة رقم واحد حول العالم فى امتلاك مواطنيها للسلاح. أما عن موزعى السلاح فى الولاياتالمتحدة فيبلغ عددهم 130 ألف موزع تقريبا, بينما لا يقل عدد المتاجر التى تبيعه عن 36 ألف متجر، وذلك وفقا لمجلة "بيزنس إنسايدر" الأمريكية. ومن أبشع تداعيات تداول السلاح فى الولاياتالمتحدة أن هناك 30 شخصا يوميًا يموتون نتيجة حوادث إطلاق النار، بالإضافة إلى 53 حالة انتحار يومية باستخدام الأسلحة النارية, كما تعتبر جرائم وحوادث إطلاق النار هى السبب الرئيسى الثانى للقتل بين الشباب الأمريكى بين سن 15 و24 عاما. وكان الرئيس الأمريكى باراك أوباما - قبل انتخابه - من أكثر الرؤساء فى تاريخ الولاياتالمتحدة المؤيدين لوضع قوانين تحد من حمل السلاح، لذلك انتشرت المخاوف الشديدة من قبل تجار السلاح الأمريكيين من أن يفرض قيودا شديدة الصرامة تؤثر على المبيعات. لكن كان من المثير للدهشة أن أوباما خلال فترته الرئاسية لم يصدر أى قوانين تقيد بيع الأسلحة، بل بالعكس فقد وقع خلال فترة رئاسته على عدة قوانين فى أكثر من ولاية، وكان آخرها فى تكساس، تعمل على توسيع حقوق حاملى السلاح. وإذا نظرنا إلى القانون الأمريكى نجده ينص على حق كل مواطن فى حمل سلاح شخصي, وذلك بعد أن تم اعتماد عشر مواد سميت باسم "وثيقة الحقوق" أضيفت إلى الدستور الأمريكى فى ديسمبر 1791، وتحمى هذه المواد حق التعبير عن الرأى وحرية الصحافة وحق التظاهر. والسؤال الذى يطرح نفسه هو : ما سبب كل هذا التناقض؟ وهل يعقل أن تعيش الولاياتالمتحدة وسط كل هذا التخبط القانوني؟ ولماذا تتحاشى المحكمة الدستورية العليا مناقشة مسألة حق حمل السلاح؟ الحقيقة هى أن منظمة السلاح الأمريكية "إن آر إيه" التى تفوق قوتها قوة صانعى القرار الأمريكى هى التى تتحكم فى كل هذه الأمور، وهى السبب فى هذا التناقض، وليس كما يدعى الليبراليون والمحافظون، الذين يرون معا أنهم يعجزون عن تفسير وإيجاد حل لهذا اللغز فى الدستور. فإذا أمعنا النظر مرة ثانية فى المواد المكملة للدستور الأمريكى التى تنص على حق المواطنين الأمريكيين فى حمل السلاح، نجد أنها جاءت لتصب فى النهاية فى صالح منظمة السلاح الأمريكية "إن أر إيه"، حيث تعتبر هذه المنظمة اللوبى الأقوى فى الولاياتالمتحدة، وتضم ملايين الأعضاء, بالإضافة إلى أنها تتبرع بملايين الدولارات بصورة مباشرة للحملات الانتخابية، مما يجعل الأعضاء المنتخبين فى الكونجرس يعملون لها ألف حساب, ولا يوجد فى الساحة لوبى ينافس هذه المنظمة الشرسة باستثناء منظمة "أيباك" المساندة لإسرائيل، وهو ما ساعد منظمة السلاح الأمريكية على مدى عقود تنجح فى مواجهة كل المساعى الرامية لفرض قيود على السلاح، مهما وقع من حوادث وجرائم بسبب انتشار السلاح فى أيدى الأمريكيين. من هنا، نتوقع أن تظل هذه الأزمة تدور فى دائرة مفرغة لا نهاية لها طالما أن أموال منظمة السلاح تجرى فى عروق الإدارة الأمريكية وتؤثر على سياساتها وقراراتها، وهو ما يثبت أن أمن المواطن الأمريكى هو أخر اهتمامات البيت الأبيض، بدليل أن هذا المواطن يضطر إلى شراء السلاح فى كل الأحوال، ليس لحماية نفسه فقط من أى تهديد خارجي، وإنما من الدستور الأمريكى الذى لا يوفر له الحماية الكافية.