بعد اكتمال عام على حكم الرئيس السيسى واقتراب مرور عامين على ثورة 30 يونيو 2013, كان يجب ان نتوقف لنحدد الدور المحورى الذي لعبته الدولة الفترة المنقضية والدور الذى يجب أن تقوم به فى المرحلة المقبلة لدفع التنمية الاقتصادية، وأن نحدد أيضا المشكلات الاقتصادية الملحة التى نعانى منها. فلا يمكن ابدا ان يكون للسياسة الاقتصادية رؤية واضحة إلا إذا حددت المشكلة وعولجت من جذورها. ويمكننا أن نرد هذه المشاكل بصورة عامة إلى عدة اعتبارات نلخصها فى وجود موارد كثيرة غير مستغلة خاصة منذ قيام ثورة يناير 2011، مع عدم توافر القدرة على استغلالها وتوظيفها بالكامل. أى بعبارة أدق عدم توافر «جهاز انتاجى» كاف لتشغيل الموارد المعطلة عند مستوى التوظيف الأمثل. وتتكون المواد المعطلة فى مصر كما يعرف الجميع، من الأيدى العاملة (نتيجة البطالة الواسعة) حيث يزيد عدد السكان على حاجة الموارد الطبيعية فرغم كل الجهود التى تبزل مازال معدل البطالة يفوق ال13% وهو معدل اعلى من المعدلات الطبيعية المقبولة عالميا. هذا إلى جانب تعطل العديد من الموارد الطبيعية (مثل الأرض وما تحتها وما فوقها) بحيث تزيد عن إمكانيات السكان فى بعض الأحيان (وذلك لتدنى الاستثمار المحلى والاجنبى ايضا وعدم وجود عمالة مدربة). ونلاحظ أن المشاكل الاقتصادية التى تعانى منها مصر مشاكل بنيانية, حيث تعود تلك المشكلة فى الأساس إلى طبيعة تكوين الهيكل الاقتصادى والاجتماعى المعاصر والسابق على الثورة . ولذلك فإن علاجها يقتضى تغيير هذا البنيان أولا (وهذا ما تحاول عمله إدارة الرئيس السيسى منذ توليه الحكم قبيل عام). لذلك أردت أن أفرد مقالى هذا, بعد مرور عام على حكم الرئيس السيسى واقتراب مطلع العام الثالث للثورة, ليس لمحاسبة احد كما يفعل البعض, ولكن لعرض بعض اعراض الخلل الهيكلى المستمر فى التكوين الاقتصادى المصرى, لعلها تنير الطريق للعلاج السريع: وأولها انخفاض معدل نمو الدخل القومى، والمقصود بانخفاض الدخل القومى معنى مزدوجاً, إذ أن الانخفاض فى معدل النمو الحالى عن المستوى الممكن تحقيقه والمعرف (بمعدل النمو الممكن و النمو الفعلى) والانخفاض الاخر يأتى فى مستوى الدخل الفردى, أيضاً بالنسبة لما هو عليه فى الدول المتقدمة (وهنا يجب ان نشير للفرق بين الدخل النقدى الخادع و الدخل الحقيقى الذى يعكس الوقع). ويرجع ذلك الى ان الزيادة فى الدخل القومى لاتجارى الزيادة فى تعداد السكان، ويؤدى هذا إلى عدم تغطية نفقات الانسان الضرورية, بل وأحياناً تتقلص. ويقصد «بنفقة الانسان» ما يلزمه للحفاظ على مستوى حياة كريمة وللحصول على الحد الأدنى من الصحة والتعليم والمرافق العامة. وغيابها (أعنى النفقات الانسانية) يؤدى إلى تدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية و طبعا الانسانية للمواطنين، ويسقط مع نقصها مبدأ «العدالة الاجتماعية». وثانيهما؛ انتشار البطالة، والتى تترجم, بالإضافة الى ما تمثله من اخطار اجتماعية وتطرف فكرى وخلل أمنى، الى أن جزءا من الموارد البشرية وبالتالى الموارد الطبيعية لا يشارك فى العملية الانتاجية، مما يفوت على المجتمع الوصول بالنشاط الاقتصادى إلى المستوى الممكن من الناحية المادية للدخل القومى القابل للتحقيق التوظيف الامثل للموارد البشرية والطبيعية (حيث لاتتعدى نسبة توظيف الموارد الفعلية فى مصر ال55% من الموارد الكلية المتاحة). ولطبيعة الاقتصاد المشوه البنيان, ترد البطالة فى حقيقة الامر عندنا إلى ثلاثة أنواع, وهى البطالة المقنعة والموسمية والدورية ، وللتدقيق فإن النوعين الأول والثالث هما اساس المشكلة فى بلادنا. اما الخلل الثالث والاخير فى البنيان الاقتصادى, يكمن فى التخصص الانتاجى المنحصر فى المواد الأولية ونصف المصنعة والصناعات التجميعية والصناعات المنقولة والتبعية الاقتصادية النسبية فى الاستيراد الى حد كبير، بحيث نعتمد فى مصر على انتاج المواد الأولية أو غير كاملة الصنع (سواء كانت زراعية أو صناعية أو حتى استخراجية) لذا نصدر مجموعة محدودة جدا من المنتجات ، ونستورد الكثير مما يلزمنا من عناصر الانتاج والمنتجات الصناعية والاستهلاكية (وهو اشبه بالمرض الهولندى فى علم الاقتصاد - مع الفارق فى الحالة المصرية ). ومن هنا يتضح لنا شكل التبعية الاقتصادية (حيث نستورد أكثر مما نصدر وبكثير، وهو ما يؤكد تبعيتنا ايضا فى استيراد, ليس فقط السلع ومستلزمات الانتاج, بل وفى استيراد المشكلات الاقتصادية الخارجية من ركود وكساد (اى بطالة) وارتفاع فى الأسعار (اى تضخم). الأمر الذى يشكل خطورة اجتماعية وسياسية وعدم استقرار فى الوضع الاقتصادى الداخلى، لأننا لسنا عرضة فقط للصدمات الداخلية، بل ونتيجة للتبعية النسبية ، عرضة وللأسف للصدمات الخارجية والتى نستوردها من الدول التى نعتمد عليها تجاريا حتى وان لم نرغب. الأمر الذى يشكل فى النهاية خطورة مزدوجة (والتى قد تأتى من الداخل او الخارج ايضا) على استقرار معدل نمو الانتاج القومى الكلى و يدفع بانخفاض الطلب الكلى على أموال الاستهلاك والاستثمار، ويؤدى إلى عدم كفاية الطلب العام لتشغيل المدخرات الخاصة والعامة, ولعل تصريحات البنك المركزى الاخيرة تدلل على ذلك بوجود وفرة فى الودائع غير المستغلة لدى البنوك المصرية، مما يعقد المشكلة ونظل ندور فى حلقة مفرغة من الانكماش الى التضخم وننتهى الى «ركود تضخمى هيكلى». لذا وجب توخى الحذر فى المعاملات الخارجية الاقتصادية (خاصة فرع التجارة الخارجية) لتتحول من علاقة استيراد الى علاقة شراكة انتاجية, وننتقل من «سياسة استيراد المنتجات ولوازم الانتاج الى سياسة استيراد المشروعات الانتاجية والاستثمارات والتصنيع المشترك مع الخارج», بالحد الذى يسمح لنا بالاعتماد على الذات تدريجيا ولو بدرجة نسبية مقبولة, كما اشار السيد رئيس الدولة فى خطابة الاخير و الذى شرح فيه خطط مصر المستقبلية على مدار المدة الاولى من حكمة ولمن سوف يأتى من بعدة. وفى النهاية فكل ما نريده ان تتمكن مصر فى المستقبل القريب من التحول من دولة أخذة فى النمو إلى دولة متقدمة كما ننشد جميعا. فلقد طال الأمد ونحن مازلنا فى مرحلة النمو لأكثر من اثنين وستين عاما, منذ قيام ثورة يوليو 1952. ولا اعرف حقا على من نرمى اللوم, فهل العيب فينا ام فى ظروفنا!... وكل عام و الشعب المصرى بخير وتقدم و ازدهار. لمزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب