هناك بشر يجعلون الحياة أجمل, وأبسط. وهم يهدوننا حكمتهم وجمال أرواحهم من كافة مشارب الحياة. قد يكونون من معارفنا وأهلنا وأصدقائنا, وقد يكون لقاء عابرا مع شخص لا نعرفه, أو عامل أو سائق أجرة أو ربة منزل مثلا. لا تعرف الحكمة منزلا لتقيم فيه, غنها فى كل مكان, فى الهواء وفى أرواح متأملة, تعى أنها تستطيع تعلم أشياء كثيرة من جذع شجرة, رفة جناح فراشة , مراقبة النمل فى سعيه, حركة الموج والشمس والنجوم والقمر. كما تستطيع فعل ذلك ببساطة عبر فتح كتاب وقراءته وتأمل أفكاره. دين كاننجهام, مؤلف كتاب يمكن ترجمة عنوانه بحكمة خالصة حول الأشياء البسيطة التى تغير الحياة اليومية, إستقى مادة كتابه من خبرته وحياته كبطل بريطانى سابق للكاراتيه, وكرياضى عالمى. وهو يعمل حاليا كمتخصص فى تطوير القدرات الشخصية. ويسوق فى كتابه الكثير من الأمثلة فى مجال الرياضة ويربطها بالقيم والأفكار التى يطرحها. قسم كتابه إلى ثلاثة أجزاء: جزء خاص بالسلوك والموقف الصحيح, وجزء عن الممارسة الصحيحة, وأخيرا جزء عن الفهم الصحيح. يحاول طرح حكمة خالصة تتجاوز الأشياء والحياة كما تبدو. يدلف إلى النفس ويمنح نصائحه من واقع رؤيته التأملية والعملية. ففى فن الكاراتيه مثلا الكينونة لا بد من أن تسبق الفعل, وعلى الرياضى أن يعرف متى يتصرف, ومتى ينتظر, ومتى يمنح, ومتى يأخذ, متى يبقى, ومتى يغادر, مثلا. وهذا هو فن التوازن الممكن نقله من ممارسة الرياضة إلى الحياة اليومية للإنسان. كما أن الهدوء هو ميزان السلوك, والمثابرة والجدية هى السلوك الضرورى لإنجاز أى عمل أو حلم, فالعمل يتبع كل أمل وفكرة. يكتب عن الثقة فى النفس والشجاعة والإبداع والجرأة والمرونة وتقدير الآخرين والصدق والعناية والانفتاح الذهنى والصبر والاحترام والمسئولية كصفات لا بد من تنميتها فى الأنفس للوصول إلى حكمة الحياة والسلوك والعمل. فى الإيقاع السريع للحياة العصرية والأحداث المتلاحقة والرغبات اللانهائية والطبيعة الاستهلاكية للعصر يفقد الإنسان إدراكه لحقيقة نفسه ويتسم بالتهور والتسرع والمادية والإحباط والاكتئاب والخيبات نظرا لعدم قدرته على صنع توازن فى الحياة, وللجشع اللامتناهى الذى يصنع لدى الناس رغبات وهمية تشوش عليهم حقيقة وجودهم واحتياجاتهم. والكاتب يطالب القارىء بالسعى والعمل بدون أن يربط ذلك بالنتيجة, بل بالتعلم عبر الطريق للهدف فى أى أمر من الأمور. يطرح أهمية التغيير فالإنسان ليس ثابتا, بل يتحول باختلاف مراحل عمره وتجاربه الإنسانية. ويطرح قيم التسامح والإعتدال والتنازلات المنطقية والعطاء, والتخلى أحيانا عما نصر عليه دون ضرورة له فى حياتنا. ويعلى من قيمة الصفاء, والاسترخاء, وبساطة الحياة. الحياة فى حد ذاتها, هى القيمة التى يجب أن تعاش باختلاف أوجهها, وهى المعلم الأكبر للإنسان, وهى ليست للعمل والكدح والشقاء, والقلق فقط, بل هىللسعادة والاسترخاء والتأمل والمشاركة والجمال, أيضا. عن الوعى, والسيطرة على الرغبات والسلوكيات الخاطئة, وتيسير المعايشة مع الآخرين, والطاقة الخلاقة, والإيمان والحرية الداخلية, والصحة والمتعة والمعرفة, هى أهم ما يتوجب أن يدركه الإنسان ويتسم به فى حياته, وعمله. والحكمة, هى ليست ذلك الإرث المعقد والمتوارث فى الكتب والفلسفة, فقط,بل هى الحكمة المعاشة والحية, ابنة الأرض التى تقابلنا فى كل يوم, والتى يتوجب علينا الوعى بها لحياة أفضل على هذه الأرض. فطنة اليوم ذلك ما يحاول دين كاننجهام أن يذكر به القارىء لكتابه حكمة خالصة.