يُصرّ البعض، بعد عام من حُكم السيسى، على إغماض أعينهم وسدّ آذانهم وتعطيل عقولهم، عن إدراك فضل القوات المسلحة بقيادته فى إنقاذ مصر من مآلات سوريا والعراق واليمن وليبيا وهذا هو أكبر إنجاز فى هذا العام. إيجابيات هذا الإنجاز لا حدّ لها لأنها لا تتوقف عند وقائع 3 يوليو قبل عامين، فى الاستجابة لإصرار الشعب على الإطاحة بحكم الإخوان وتحريك الدعاوى القضائية ضد قياداتهم المتورطين فى العنف، وإنما تتجلى الإيجابيات كل يوم يمرّ لا تتعرض فيه مصر لكوارث حكم الإخوان. وكان يمكن أن تتعاظم الإيجابيات إذا كان كل يوم يشهد تطبيقاً لشعارات الثورة. وصحيح أنه لا يجوز افتراض مجريات أخرى لما وقع فى الماضى، ولكن، فقط، على سبيل استخلاص المعنى، فلو أن القوات المسلحة، تحت قيادة القائد العام المشير عبد الفتاح السيسى، لم تستجب لنداء الشعب، لما كان يمكن أن يُؤخَذ عليها شئ رسمى، لأنها، بالقانون، كانت تتلقى تعليماتها من الدكتور محمد مرسى الذى كان قائدها الأعلى، كان يمكن، فقط، أن يتأسى الناس على تبديد فرصة تاريخية، أو أن يأتى النقد من الأجيال القادمة التى كان البديل الآخر أن تحيا تحت حكم الإخوان، أو أن تعانى من مخلفات حكمهم، كما كان من الطبيعى أن يأتى نقد آخر من بعض المؤرخين، مثلما يفعل آخرون فى أوروبا وهم يعيدون قراءة سير الأحداث فى ألمانيا فى عهد هتلر، ويبدون الحسرة على أن ألمانيا افتقدت قوة وطنية قادرة كان من الأفضل، لألمانيا ولأوروبا وللعالم، أن تطيح بهتلر وحزبه الكارثى بغض النظر عن شرعيته فى الفوز فى انتخابات ديمقراطية! وهناك افتراض آخر لا فكاك من التفكير فيه، وهو إذا ما كانت محاولة القوات المسلحة بقيادة المشير السيسى أخفقت فى تلبية اختيار الشعب، وبفرض أن الإخوان تمكنوا من إجهاض حركة القوات المسلحة، فهل كان الإخوان يترددون عن نصب المشانق لكل هؤلاء القادة وأولهم السيسى؟ المؤكد أن هؤلاء القادة جميعاً فكروا فى هذا الاحتمال، ولكنهم، وبرغم المخاطر الهائلة على كل شخص منهم، أقدموا على الخطوة المطلوبة من الشعب. ومن الواجب تذكر هذه لهم فى مناسبة عام مرّ على حُكم السيسى. ولعلّ من الإيجابيات الكبيرة بعد عام أن تلوح رياح الحياة الطبيعية وأن تتجلى أكثر وأكثر عمليات الفرز السياسى وفق المصالح الحقيقية، بعد أن كان هناك موقف وطنى جامع ضد الإخوان. وهذا ينطوى على معنى فى صالح السيسى هو أنه نجح إلى حد كبير فى التصدى أمنياً لخطر الإخوان وأنهم لم يعودوا بمثل ما كانوا قبل عامين، وأن إمكانية عودتهم صارت مستحيلة، وأن تفجيراتهم هنا وهناك، فضلاً عن أنها تبعدهم أكثر فأكثر عن الجماهير، فهى دليل على فقدانهم للأمل بأكثر منها تعبير عن خطة تحقق أى هدف سياسى. هذا الفرز السياسى الذى أخرج البعض أنفسهم فيه من التحالف الواسع فى 30 يونيو، ومن الاصطفاف الوطنى فى مهمة التصدى للإخوان والعودة لمطالب ثورة يناير بما فيها من أبعاد اجتماعية، يمكن اعتباره ظاهرة صحية يقف فيها كل فرد أو فئة بشكل صريح تحت الراية التى اختارها أو اختاروها لأنفسهم. الحقيقة القديمة التى تتجلى جوانبها كل يوم، حتى إذا خَبَت عن إدراك الكثيرين، هى أن لدينا حزباً قديماً فى مصر، لا يتضرر أصحابه إطلاقاً من تغيير اسمه من منبر الوسط إلى حزب الوسط إلى الحزب الوطنى إلى لجنة السياسات إلى أسماء أخرى تُتداول هذه الأيام، وأن موقف هؤلاء لم يتزحزح يوماً فى أن يستخدموا كل الأسلحة للحصول على أكبر مكاسب ولا يهمهم أن تكون على حساب الشعب، وأنهم يتملقون كل رئيس ويسعون إلى الانتماء إلى حزبه، وإذا حدث ولاحت من الرئيس بادرة ترشيد لمكاسبهم الهائلة، قلبوا له الوجه الآخر، دون مواجهة علنية، وإنما دائماً من وراء ستار، ولعبوا ضده فى البورصة وفى الدولار واليورو والاسترلينى، وأخفوا السلع الأساسية التى يتحكمون فيها، ورفعوا الأسعار..إلخ، حتى يتذكر الرئيس أنهم أٌقوياء وأنهم قادرون على العضّ! لم يناصر هؤلاء السيسى إلا فى المرحلة التى كان يفتح لهم الساحة بإبعاد الإخوان الذين شكلوا خطراً حقيقياً على مصالحهم الضخمة فى البيزنس، أما وقد تدهور حال الإخوان إلى هذا الحدّ، فإن استمرار هؤلاء مع السيسى صار عبئاً بل خطراً على مصالحهم، لأنهم يرفضون التوجه الاجتماعى للاقتصاد، ولا تؤرقهم البطالة، ولا يعنيهم الفقراء والجماعات المهمشة، وهم يرفضون التبرعات التى طلب السيسى من القادرين أن يتقدموا بها..إلخ. باختصار، هم يحلمون بالعودة إلى أيام مبارك حيث الأراضى بالبخس والإعفاءات كثيرة فى الضرائب والرسوم..إلخ هؤلاء هم أعداء السيسى الحقيقيون، برغم أن أصواتهم خافتة مقارنة بكثير من المعارضين مثل المنتقدين لتأخر عقد البرلمان، والمدافعين عن الحريات العامة والخاصة، والرافضين لسجن عدد من شباب الثورة، والمناضلين ضد انتهاكات من بعض رجال الشرطة للقانون وعودتهم لامتهان كرامة المواطنين، والمدافعين عن حقوق المستهلك المحتجين بشدة على ارتفاع الأسعار! أعداء السيسى يجيدون تنظيم صفوفهم ولديهم خبرات فى التعامل مع الجماهير بما يكفى لتحقيق نجاحات مؤثرة فى الانتخابات، وهى النقطة الحاسمة المهمة التى لا يوليها أنصار الثورة اهتماماً يليق بها، بل هم أقرب إلى المقاطعة بما يترتب عليه إسعاد هؤلاء المحترفين بعد أن يخلو لهم الجو! كما أن هناك تفاصيل مُستنزِفة لفريق الثورة تُبعدهم أكثر عن التخطيط للانتخابات البرلمانية، كما أنهم لا يجيدون ترتيب الأولويات، ويمارسون السياسة بقواعد الأخلاق، ويفتقدون المهارات الأساسية لكسب الأصوات. لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب