كان الصمت في عيونهم البريئة يشدو بالحلم الحميم، وفرشوا أولي سنوات العمر بالطموح، وكانت تفوح منهم رائحة البراءة وعطر الطفولة، كانت أمانيهم بحجم السماء والأرض وطعم الفرحة والتحدي، حتي جاءت اللحظة التي لا لحظة بعدها، واستباح أبوهم دماءهم الطاهرة وسفحها وهم نيام، بعد أن أطاحت المخدرات بعقله وسلبته إرادته وهوت به إلي طريق الضياع، فلم يتمالك صاحب القلب الجاحد عجزه عن شراء الأقراص المخدرة، وثار كالثور الهائج في زوجته وأطفاله الثلاثة ثم انتظر حتي استغرقوا في النوم وذبح فلذة أكباده الثلاث، ثم حاول ذبح زوجته ولكنها فقدت الوعي من جراء الطعنات التي سددها لها واعتقد الذئب أنها فارقت الحياة، وترك أسرته الصغيرة تسبح في بحور الدماء وخلع عن زوجته قرطها الذهبي وهرول إلي تاجر المخدرات ليشتري الكيف حتي تمكنت المباحث من ضبطه. لم تكن للمفاجأة هذا الوجه القبيح إلا عندما دخل رجال المباحث شقة المجني عليهم بمنطقه الرمل بالإسكندرية، وكان المشهد أقسي من أن يوصف ثلاثة أطفال مذبوحين ويرقدون علي الأسرة، بعد أن ارتوت الوسائد والمراتب بدمائهم البريئة وابتسامة المسافر علي وجوههم، وكأنهم يرون الجنة التي وعدها بهم الرحمن، وهي تفتح أبوابها لاستقبالهم، وفي الغرفة المجاورة زوجة شابة يحوم حولها ملك الموت وتصدر أنينا وهي فاقدة للوعي، وكأنها تنعي رحيل ابنائها الثلاثة، وحامت كل الشبهات حول الزوج، فهو مدمن للمخدرات واعتاد تعذيب أبنائه وزوجته وحرمانهم من الطعام والشراب لإنفاق أمواله علي الكيف والمزاج. تطاير خبر مقتل الأشقاء الثلاثة في مدينة الإسكندرية كسريان النيران في الهشيم، وعلي الفور حضر الأعمام والأخوال، وكانت الصرخات علي الأبرياء الثلاثة تكاد تفزع الطير المحلق في السماء، وانسالت الدموع تبكي رحيل الأبرياء الثلاثة والمنزل تفوح من كل اركانه رائحة الحزن بعد أن تلاشت عنه الحياة، وانطفأت القناديل التي كانت تملأه نورا وبهجة وخمدت كل الأصوات من داخله إلا صوت الصراخ والعويل، واختلفت الأقاويل واختلطت التساؤلات إلا أن الجميع اتفقوا علي حقيقة واحدة وهي أن والد الضحايا الثلاث مدمن للمخدرات، وكان يتمني موتهم كي لاينفق عليهم وينفق أمواله لشراء المخدرات. كان يوما مغلولا بالحزن في حجم الأرض ولون السواد بعد أن تبين لرجال المباحث أن الأب المدمن خط بيديه شهادة وفاة ابنائه الثلاثة، وانه اغتال أحلامهم، وحفر قبرهم بيديه الآثمتين، وكانت هدية نجاحهم وتفوقهم هو قتلهم، وأنه جنح بعمرهم في صخور القبر الموحش، وأنه سلبهم روحهم الطاهرة بعد أن كانوا أنيس الوحدة والوحشة، وحمل الأهل النعوش الثلاثة علي الاكتاف وانهار من الدموع بللت ثري الطرقات، وتواري الأبرياء خلف الثري، بينما تم نقل الأم المصابة إلي المستشفي لإسعافها وهي لاتعلم برحيل فلذات الاكباد الثلاث، ولو علمت لتمنت اللحاق بهم لتؤنس وحدتهم داخل القبر، ورفضت أن يداوي الأطباء جراحها، لأنها لمن ستعيش بعد ان سلبها ذلك الزوج من كانت تستدفيء بأنفاسهم في ليالي الشتاء القارس البرودة، وتنعم بنسيم روحهم في لهيب حرارة الشمس. انتقل فريق من رجال البحث إلي الزوجة التي ترقد داخل المستشفي الأميري بالإسكندرية، وقالت بصعوبه بالغة إن زوجها تشاجر معها ولقنها علقة ساخنة عندما طالبته بالإنفاق علي أبنائه الثلاثة والبعد عن تعاطي المخدرات، وأخبرته أن أباها وأشقاءها ضاقوا من الإنفاق عليها وأبنائها، وأنه الأَولي بالإنفاق علي أبنائه، وطلبت منه أن يخرج للعمل وإلا سوف تترك له مسكن الزوجيه وترحل إلي أسرتها. صال الزوج وجال بخاطره حتي وجد الحل في قتل زوجته وأطفاله كيلا يثقلوا كاهله وحتي ينفق كل دخله علي شراء المخدرات، وانتظر حتي استغرقوا في النوم واستل سكينا وتسلل إلي غرفتهم، وبدم بارد ذبح ابنه الأكبر، وعندما استيقظ شقيقاه انتابتهما حالة من الهيستريا، فقام بذبح ابنه الأوسط، وكانت الخاتمة بالصغير بعدما انتهي الذئب من قتل أبنائه الثلاثة تسلل إلي غرفة زوجته وسدد إليها عددا من الطعنات حتي أفقدها الوعي، واعتقد أنها فارقت الحياة، وخلع عنها قرطها الذهبي وهرول إلي تاجر المخدرات لشراء الكيف. جاء صباح اليوم الثاني ولم تستيقظ الزوجة الشابة مبكرا كعادتها لتذهب مع جارتها إلي السوق مما اضطر جاراتها إلي الصعود لشقتها، وقبل أن يطرقن الباب سمعن صوت أنين يصدر من الداخل، فقمن بإبلاغ قوات الشرطة، وتمكن المقدم ولاء والي رئيس المباحث، بإشراف العميد محسن عبد الرازق وكيل المباحث، والعقيد إبراهيم مبارك وكيل مباحث شرق القاهره من كسر الباب وكانت الجريمة المأساوية. تم تشكيل فريق بحث وتمكنت المباحث برئاسه اللواء شعبان المنسي حكمدار شرق الإسكندرية، واللواء شريف عبد الحميد مدير المباحث، والعميد هاني مدحت رئيس المباحث، وتمكنوا من ضبط الأب القاتل داخل وكر لتعاطي المخدرات، حيث لم يكلف نفسه بالمشاركة في تشييع جثامين أبنائه الثلاثة، واختبأ كاللصوص عند تاجر مخدرات، وبمواجهته اعترف بجريمته وقرر أنه قتل أبناءه لكي يغسل عاره، لأن زوجته سيئة السلوك، وشك في نسب أبنائه إليه مما اضطره إلي قتلهم ليرتاح من عذاب الشك والغيرة، بينما أكدت تحريات المباحث أن الزوجة حسنة السلوك، وأن الزوج مدمن مخدرات، وأنه قتل أبناءه ليرتاح من الإنفاق عليهم، وأمر اللواء محمد الشرقاوي مساعد الوزير لأمن الإسكندريه بإحالة الأب المتهم إلي النيابة التي أمرت بحبسه.