بعد أربع سنوات من المفاوضات تشهد مدينة شرم الشيخ فى العاشر من يونيو الحالى الإعلان عن مولد أكبر تجمع اقتصادى على مستوى إفريقيا، يضم 625 مليون نسمة يمثل نصف عدد سكان القارة. ويشمل ناتج محلى إجمالى يساوى 1٫2 تريليون دولار أى ما يعادل 58٪ من الناتج المحلى الإجمالى للقارة ،حيث يوقع رؤساء 26 دولة إفريقية على الاتفاقية التأسيسية لاطلاق منطقة التجارة الحرة بين التجمعات الثلاثة الاقتصادية الكبرى فى شرق وجنوب القارة وهى «الكوميسا»،»الساديك»،و»الاياك» وتشارك زيمبابوى بصفتها الرئيس الحالى للجماعة الاقتصادية لمنطقة الجنوب الافريقى «الساديك»الى جانب رئاستها للاتحاد الافريقى، بينما تشارك اثيوبيا بصفتها الرئيس الحالى لتجمع شرق وجنوب افريقيا «الكوميسا»، فى حين ترأس تنزانيا تجمع شرق افريقيا «الاياك»، وترأس مصر القمة باعتبارها الدولة المضيفة ومن خلال عضويتها للكوميسا. وترجع فكرة التكامل الاقليمى الى اكثر من 50 عاما مضت حينما حلم الزعيم الغانى كوامى نكروما بكيان سياسى واقتصادى موحد للقارة يشمل حرية التنقل والتجارة وصولا للتعامل بعملة نقدية موحدة، وجواز سفر افريقى واحد لازالة جميع الحواجز والقيود التى صنعها الاستعمار، وقتها لم يلق اقتراحه قبولا ورأى الزعماء ان تحقيق التكامل الشامل لابد ان يتم و لكن بشكل تدريجي، حيث كانت الاولوية التى تشغل معظم بلدان القارة التحرر من نير الاستعمار. وبعد ان انتهت القارة من عملية التحرر أحيت الفكرة مجددا من خلال خطة عمل لاجوس لعام 1980 و معاهدة ابوجا لعام1991 التى تبنت الجماعة الاقتصادية الافريقية خطة لدمج جميع التكتلات الاقتصادية فى القارة على ستة مراحل تبدأ بمنطقة التجارة التفضيلية ثم منطقة التجارة الحرة يليها الاتحاد الجمركى وصولا للاتحاد النقدى و بنك مركزى افريقى وذلك على مدى 34 عاما تنتهى فى 2028. و قد عقدت القمة الاولى للتجمعات الاقتصادية الثلاثة باوغندا عام 2008 و الثانية فى جنوب افريقيا عام 2011 التى بدأت فيها المفاوضات حول اطلاق منطقة التجارة الحرة بين التجمعات الثلاثة و سيتبع ذلك العديد من الخطوات على مستوى باقى التجمعات فى القارة . و اكد سينديسو نجوينيا امين عام الكوميسا المكلف بمهمة الاعداد لدمج التجمعات الثلاثية فى تصريحات ل»الأهرام « ان اعلان منطقة التجارة الحرة هى اولى مراحل تنفيذ استراتيجية التكامل الاقليمى التى تعطى أولوية قصوى للنهوض بالبنية التحتية، والتصنيع والى جانب حرية حركة البضائع والافراد حتى يتحقق الاندماج بين التجمعات الثلاثة. وقال انها خطوة مهمة نحو انشاء منطقة التجارة الحرة القارية المقرر اطلاقها عام 2017، واشار الى الحاجة لتطبيق برامج صناعية اقليمية من اجل الوصول الى نمو شامل وعادل بين الدول الاعضاء . وتوقع نجوينيا ان يحقق دمج التكتلات الاقتصادية الثلاثة فرصا واعدة لتعزيز التجارة والاستثمارات بحيث تكون بمثابة «المغناطيس» الجاذب للاستثمارات الاجنبية المباشرة خاصة بعد الاستفادة من تحسين نظام التجارة، والمزايا التى توفرها منطقة التجارة الحرة من خفض التعريفات الجمركية المفروضة على البضائع ذات قواعد المنشأ،والحد من تكلفة النقل. واعلن نجوينيا ان الاجتماعات التحضيرية التى تسبق القمة سواء على المستوى الخبراء من ه الى 7 يونيو ستتناول التحضير للتقارير التى ستعرض على الرؤساء، و تشمل تقريرا عن الاجتماع الثالث للتجمعات على مستوى الوزراء فى بوجمبورا، واتفاقية منطقة التجارة الحرة، فضلا عن اعلان المرحلة الثانية من المفاوضات لمنطقة التجارة الحرة، و كذلك خطة وخريطة الطريق التى وضعت أسس ومبادئ التفاوض . وحول ما تم انجازه حتى الآن فى منطقة التجارة الحرة كشف أمين عام الكوميسا أن المفاوضات الخاصة بالسلع تقريبا أوشكت على الانتهاء ،اما فيما يتعلق بالمفاوضات الخاصة بتجارة الخدمات كالسياسات التنافسية، وحقوق الملكية الفكرية ستكون خطوة لاحقة تعقب اطلاق تجارة السلع موضحا ان مفاوضات المرحلة الاولى استغرقت وقتا طويلا من ديسمبر 2011 والى الآن على مدى اكثر من 10 جلسات على مستوى الخبراء والوزراء وان قمة شرم الشيخ ستعلن عن المرحلة الثانية من المفاوضات. واوضح ان ما تم التوصل اليه هو اتفاق حول مبادئ التفاوض، والاطار المؤسسى لها مشيرا الى ان الخطوة التى تلى منطقة التجارة الحرة هى اقامة اتحاد جمركى يليه اتحاد نقدى بين اعضاء التجمعات الثلاثة. وعن العقبات التى تواجه عملية الدمج من تشابه الهياكل الانتاجية و تباين الاقتصادات الافريقية اوضح امين عام الكوميسا ان التباين الاقتصادى يعد ميزة وليس عيبا نظرا لانه سيتيح الفرصة لزيادة التجارة، والتكامل بين الدول الاعضاء للاستفادة من المزايا التى تكفلها منطقة التجارة الحرة . وضرب مثالا بمصر التى لديها خبرة فى مجال الرى يمكن نقلها لباقى دول القارة، كما اعطى مثالا آخر بكينيا وتقدمها فى مجال خدمة تحويل الاموال عن طريق المحمول وهى خدمة الكترونية تحصل منها على 23٫2 مليون دولار يوميا اى انها تدر ارباحا اعلى بكثير من التحويلات عن طريق البنوك، وبالتالى يمكن تحقيق التكامل بين دول القارة من خلال كل ما تتميز به كل دولة. و من جانبها أوضحت الدكتورة هويدا عبدالعظيم استاذ الاقتصاد بمعهد البحوث والدراسات الافريقية بجامعة القاهرة ان اهم المميزات التى تكفلها منطقة التجارة الحرة بين الكوميسا والساديك والاياك هى تسهيل نفاذ السلع والمنتجات. نتيجة ازالة جميع القيود الجمركية، وتحقيق الامن الغذائى من خلال خفض معدلات الاجراءات الحمائية على المنتجات الزراعية بين الدول الاعضاء التى تتمثل فى القيود الضريبية والجمارك التى تفرض على السلع بالاضافة الى زيادة القدرة التنافسية للمنتجات الصناعية. واضافت ان مصر ستستفيد من عملية دمج التجمعات الثلاثة فى تنويع مصادر الطاقة والحصول على المواد الخام ودخول المنتج المصرى اسواق26 دولة افريقية مشيرة الى ان من مزايا الدمج تجنب ازدواج العضوية فى اكثر من تجمع. وعن تشابه الهياكل الانتاجية فى معظم الدول الافريقية اوضحت الدكتورة هويدا عبدالعظيم انه يمكن التغلب عليها من خلال القيمة المضافة للمنتج بحيث تقوم كل دولة باضافة ميزة نسبية له قبل تصديره مما يصب فى مصلحة جودة المنتج و خفض التكلفة. اما عن التباين الاقتصادى بين الدول الافريقية فان الدول التى تتمتع باقتصاد وبنية تحتية قوية نسبيا هى التى تستحوزعلى الاستثمارات وبالتالى ستتأثر بالسلب الدول الضعيفة ذات الدخول المنخفضة وحل هذه القضية تمكن فى تعويض هذه الدول عن الخسائر التى قد تلحق بها نتيجة تخفيض الجمارك والضرائب التى تعد مصدرا اساسيا للدخل لديهم. واضافت ان تجربة السياسات التعويضية طبقت فى التجمع الاقتصادى لغرب افريقيا الايكواس واثبتت نجاحها.