تمر مصر بعد ثورة 25 يناير بمرحلة انتقال من النظام السلطوى الذى كان قائما قبلها حيث احتكر حزب الرئيس السلطة بصفة دائمة من خلال انتخابات مزورة وفى الوقت نفسه تقمع كل الأحزاب الأخرى إلى الدرجة التى لا تجعلها قادرة على منافسة الحزب الحاكم فى الانتخابات ولما كانت إحدى السمات الأساسية للحكم الديمقراطى هى تداول السلطة بين مختلف القوى السياسية من خلال انتخابات نزيهة فإن التعددية الحزبية تصبح أهم المقومات للتطور الديمقراطى باعتبارها المحققة لتداول السلطة من خلال انتخابات حرة وقد اقترنت ثورة 25 يناير بفتح الباب واسعا أمام تعدد الأحزاب فى مصر إلى أن وصل عددها إلى ما يتجاوز مائة حزب ورغم مضى أربع سنوات على ثورة 25 يناير وتصحيح مسارها فى 30 يونيو فإن هذه التعددية الوليدة ما زالت هشة وتحتاج إلى بيئة مواتية لنموها واكتسابها عمقا جماهيريا. ومن يتابع الأحزاب السياسية خلال هذه السنوات الأربع يكتشف أنها ما زالت مجرد تجمعات نخبوية أو شللية ليس لها البعد الجماهيرى ولا القيادات المؤهلة التى تمكنها من النمو والمنافسة ونتيجة لذلك فإن المجتمع المصرى يعيش فى فراغ سياسى لا يجد من يملؤه ويتهدد هذا الوضع الأحزاب السياسية بالذبول والاندثار إذا لم تراجع نفسها وتسعى إلى اكتساب الشعبية الكافية لكى تكون قادرة على التأثير فى الوضع السياسى . من هنا فإن سكة السلامة لهذه الأحزاب أن تبادر إلى بناء نفسها لامتلاك القدرة على النمو والمنافسة ويتحقق ذلك بأن تعطى هذه الأحزاب أو على الأقل الأحزاب التى تعبر بصدق عن مختلف القوى الاجتماعية فى مصر وتمتلك رؤية شاملة للمستقبل من خلال برنامج سياسى واضح المعالم ، أن تعطى اهتماما خاصا فى عملية البناء الداخلى للتثقيف السياسى ، شاملا رؤيتها السياسية والخبرة التنظيمية وأساليب العمل الجماهيرى التى تمكنها من الوصول إلى الناس والتعايش معهم والعمل على تحقيق مصالحهم وأن تركز عمليات التثقيف على القيادات المركزية وكذلك القيادات الإقليمية بحيث يتوافر للحزب كوادر سياسية قادرة على التعامل مع المواطنين وكسبهم لعضوية الحزب، وبهذا سوف يتوافر للحزب قيادة مركزية إلى جوار قيادات إقليمية فى مختلف المحافظات وعندما ينجح الحزب فى امتلاك هذه الكوادر بعدد كاف لتغطية النشاط فى معظم المحافظات فإن الحوار الذى دار بينهم من خلال برامج التثقيف حول القضايا الأساسية للمجتمع ومشكلات الجماهير سوف تحول هذه الكوادر والقيادات من العمل الفردى إلى العمل الجماعى، ذلك أن الوحدة الفكرية للقيادات فى أى حزب هى الخطوة الأولى نحو ممارستهم عملا جماعيا منظما وتوجيههم إلى التعامل مع الجماهير باللغة والأساليب المناسبة وتنظيم من يتم كسبهم من الجماهير فى كل موقع للعمل بشكل جماعى حول قضايا الناس ومصالحهم وطرح حلول مناسبة لمشكلاتهم وقيادتهم من أجل الدفاع عن مصالحهم والتأثير على السلطات المحلية والإقليمية للتجاوب مع مطالبهم من خلال هذا التفاعل، ومن المهم هنا أن تتوافر للحزب وقياداته الإقليمية والمحلية القدرة على ترجمة مطالب الناس إلى حلول قابلة للتنفيذ وقيادة الناس نحو الضغط على صانع القرار للاستجابة لهم . وهكذا نرى أن سكة السلامة للأحزاب السياسية فى مصر تتمثل فى ثلاث خطوات محددة أولها التثقيف السياسى الذى يمكنهم من فهم مشكلات المجتمع وقضاياه وكيفية العمل من أجل حلها وثانيها تحويل قيادات الحزب وأعضائه إلى جماعات منظمة قادرة على ممارسة نضال جماعى وليس التحرك كأفراد وثالثها هو الالتحام بالجماهير والتفاعل معها من أجل قيادتها للنضال والدفاع عن مصالحها . هذه العملية بخطواتها الثلاث هى التى ستوفر لكل حزب إمكان النمو والازدهار وتوسيع دائرة النفوذ حيث تكون قادرة على التأثير فى قرارات السلطة فى التجاوب مع مطالب الناس . ومن يفشل فى تحقيق هذه الخطوات بنجاح فإنه لن يتمكن من البقاء طويلاً حيث سينصرف العدد المحدود من أعضائه يأسا من أن يتمكن الحزب من كسب أعضاء جدد وسيتوافر للأحزاب التى حققت هذا التطور إمكان المنافسة فى الانتخابات لمجلس النواب أو للمجالس المحلية وبذلك يمتلك الحزب القدرة الفعلية فى المنافسة للانتخابات للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المقاعد فيها ويتيح له الوجود فى مجلس النواب والمجالس المحلية الاندماج فى المجتمع ومخاطبة الجماهير من منبر مجلس النواب أو المجالس المحلية لتزداد قدرته على التأثير وهكذا فإننا ساعتها سنكتشف أن المائة حزب التى تأسست بعد ثورة 25 يناير انقسمت إلى أحزاب قادرة على النمو وتمتلك عمقا جماهيريا وتشارك فى السلطة التشريعية والمحلية وإلى جوارها أحزاب عجزت عن تحقيق هذا التطور فلا تجد مفرا من أن تندمج فى أقرب الأحزاب إليها وإلا فإنها ستكون مهددة بالذبول والاندثار نتيجة تفاقم الخلافات فى صفوفها لعدم توافر القدرة على العمل فى دائرة أوسع مع المواطنين . إن إنضاج التعددية الحزبية شرط جوهرى لتحقيق أهداف الثورة لأنه سيلعب دورا أساسيا فى كسب قطاع واسع من المواطنين فى العمل السياسى والحزبى وتوسيع دائرة المنافسة السياسية للوصول إلى مواقع التأثير والنفوذ الجماهيرى . لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر