يوجد في مصر الآن أكثر من ستين حزبا سياسيا معترفا به, وما يقرب من مائة حزب تحت التأسيس, ويتوقف مصير هذه الأحزاب جميعا علي ما يتوافر لها من كادر سياسي مؤهل فكريا ولديه الخبرة الكافية لقيادة هذه الأحزاب, وإدارة نشاطها في مختلف المجالات السياسية والجماهيرية والتنظيمية. والمقصود هنا بالكادر السياسي هو مجموع القيادات التي تتولي المناصب الرئيسية في الحزب وعضوية الهيئات القيادية علي كل المستويات لجان الوحدات ولجان المراكز والمحافظات وصولا إلي اللجنة المركزية والمكتب السياسي. وإذا كنا نقيس فاعلية الأحزاب السياسية بقدرتها علي الوجود في التجمعات الجماهيرية وإنتشارها الجغرافي وفوزها في الإنتخابات البرلمانية والمحلية والنقابية فإنها لا تحقق شيئا من ذلك بدون كادر سياسي قادر علي التأثير وممارسة النشاط في هذه المجالات, وبقدر ما يتوافر للحزب من قيادات فإنه يستطيع أن يحافظ علي نفوذه السياسي والجماهيري, وأن يضمن استمراره في الحياة الحزبية. ومشكلة الحياة الحزبية الراهنة في مصر أنه لا يتوافر لمعظم الأحزاب السياسية هذه النوعية من القيادات بالقدر الكافي لاستمرارها, وتوسيع نطاق تأثيرها ونفوذها في المجتمع, ومن المهم لكي تحقق ذلك أن تعطي لهذه القضية اهتماما خاصا وأن تبذل أقصي جهدها من أجل إكتشاف القيادات الجديدة وتأهيلها فكريا وتزويدها بالخبرة والمهارات العملية التي تمكنها من القيام بدورها بفاعلية. ومن المهم أيضا أن تعتمد هذه الأحزاب سياسة للكوادر تتضمن كيفية اكتشاف العناصر الصالحة للقيادة وكيفية تدريبها وتأهيلها لممارسة القيادة وتوزيعها علي مجالات النشاط المختلفة, ومتابعة تطورها أثناء ممارستها لمسئولياتها القيادية وإعادة تأهيلها فكريا وسياسيا وتنظيميا لرفع كفاءتها باستمرار. تتضمن سياسة الحزب في التعامل مع قضية الكادر السياسي في مراحله المختلفة الاكتشاف والتدريب والتوزيع والمتابعة ما يسمي دورة حياة الكادر موزعة علي هذه المراحل الأربعة. فالحزب يبحث عن العناصر الصالحة للقيادة بين أعضاء الحزب حيث يختار من العناصر النشيطة من تتوفر فيه صفة الحركية بمعني أنه العضو الذي يملك القدرة علي المبادرة فيتصدي لحل المشاكل داخل وحدته الحزبية ويتطوع لممارسة النشاط الذي تقرره الوحدة أو يقترح هو نشاطا يمكن أن يسهم في تعزيز دور الحزب في المجتمع, ويتولي الحزب ترشيح هؤلاء الأعضاء الحركيين لدورات تثقيفية وتدريبية تؤهلهم لتحمل مسئولية قيادة, يتضمن تدريب هؤلاء الأعضاء رفع مستواهم الفكري والثقافي وتمكينهم من إستخدام المنهج العلمي في دراسة المجتمع والتعامل مع المشاكل وسبل حلها. كما يزود هؤلاء الأعضاء بالخبرات والمهارات التي تمكنهم من تحمل مسئوليات قيادية, ويدفع الحزب بهذه العناصر إلي مختلف مجالات النشاط مما يوفر لهم فرصة اكتساب شعبية بين الجماهير وبين زملائهم أعضاء الحزب إذا نجحوا فعلا في القيام بمسئولياتهم في الأنشطة المختلفة, ذلك أن توفر الوعي لهذه العناصر النشطة وإكتسابهم الخبرة والمهارة التي تكفل لهم النجاح في مهامهم الحزبية والجماهيرية وإبداعهم الشخصي في إستخدام ما هو متاح لهم من وعي وخبرة ومهارات في أداء واجباتهم بنجاح يعزز إحترام زملائهم لهم ويوسع نطاق تأثيرهم في القطاع الجماهيري الذي ينشطون داخله, فيترتب علي ذلك اكتسابهم الشعبية الكافية بفوزهم في الانتخابات داخل الحزب لتولي مسئوليات قيادية, وبفوزهم في إنتخابات النقابات والجمعيات والمجالس المحلية والبرلمان وهكذا تصبح هذه العناصر قيادات حزبية أو قيادات جماهيرية أو قيادات برلمانية وهو ما نسميه بالكادر السياسي. وهكذا يتضح أن إعداد الكادر السياسي يتطلب توافر ثلاث سمات أساسية فيه أولاها الحركية وثانيتها الوعي وثالثتها الشعبية, وأن الحزب يقوم بدور كبير في إكساب العضو صفتي الوعي والشعبية, ويحتاج ذلك وقتا طويلا نسبيا قد يستغرق عدة سنوات يمارس العضو فيها مسئوليات قيادية متدرجة إلي أن يصبح جديرا بصفة الكادر السياسي. تتضمن سياسة إعداد الكادر كما أوضحنا مراحل متعددة فيما يتصل بتزويد العضو بثقافة سياسية تمكنه من فهم ما يدور في المجتمع والتعامل مع التطورات الجارية بكفاءة وتقوم هذه الثقافة علي ثلاثة عناصر أساسية تشمل ضبط المفاهيم المستخدمة في النشاط السياسي مثل الطبقة, الفئة, الاجتماعية, الاقتصاد, وسائل الإنتاج, قوي الإنتاج, الإشتراكية, الرأسمالية...... الخ كما تشمل هذه الثقافة النظرة العلمية للمجتمع ومكوناته والقدرة علي استخدام المنهج العلمي في دراسة الظواهر الإجتماعية والعلاقة بينها ومدي التأثير المتبادل بين مشكلات المجتمع في جوانبه المختلفة, وتتضمن هذه الثقافة السياسية أيضا التعمق في فهم المشاكل الأساسية وتوافر معلومات كافية عنها تكفي للتعامل معها بكفاءة. وهناك جانب آخر في سياسة إعداد الكادر يتعلق بتزويده بالمهارات الكافية لقيامه بمسئولياته القيادية مثل إدارة العمل الجماعي وتخطيط النشاط وتحديد الأولويات وتوزيع المهام... الخ هناك جانب آخر في إعداد الكادر يتعلق بمجالات النشاط التي سيتخصص فيها, فهناك الكادر التنظيمي, والكادر التثقيفي, والكادر الجماهيري, والكادر البرلماني حيث تختلف الخبرات والمهارات المطلوب توافرها في الكادر الذي سيتخصص في العمل التنظيمي داخل الحزب عن الخبرات والمهارات المطلوبة في الكادر الذي سيتخصص في العمل التثقيفي, حيث يشترط في الكادر التثقيفي الخبرة بأساليب التثقيف وقيادة المناقشات/ ونقل المعرفة إلي الآخرين فضلا عن المعرفة العميقة بالعلوم الاجتماعية مثل الاقتصاد السياسي والاجتماع والتاريخ والعلوم السياسية. أما الكادر الجماهيري فإن الخبرات والمعارف والمهارات اللازمة له تدور حول قدرته علي فهم مشاكل القطاعات الجماهيرية التي يتعامل معها, ومعرفة الظروف والأوضاع التي تعيش فيها هذه الجماهير, وكيفية التعامل معها وكسب ثقتها. أما الكادر البرلماني فإن المعارف والمهارات والخبرات الواجب توافرها فيه تختلف تماما عن أي مجال آخر حيث يشترط أن يكون له نشاط جماهيري واسع في الدائرة التي سيترشح عنها وأن يكون قد أسهم في حل مشاكل أهالي الدائرة, ومن ناحية أخري فإن هذا الكادر يكون مستعدا لكسب خبرة العمل البرلماني وعلي دراية بأدوات العمل البرلماني مثل طرح الأسئلة وطلبات الإحاطة وتقديم الاستجوابات مستوفاة البيانات والمعلومات الضرورية حول القضية موضع الإستجواب. من هذا كله يتضح أن مسألة توافر القيادات السياسية بأعداد كبيرة للأحزاب السياسية هي عامل حاسم في قدرة هذه الأحزاب علي الاستمرار وقدرتها علي التأثير في المجتمع, ومن ثم فإن توافر هذا العمل سيساعد علي تقوية ودعم الحياة الحزبية في مصر بما يعزز فرص التطور الديمقراطي للمجتمع المصري لأن التعددية الحزبية الناضجة شرط أساسي لهذا التطور الديمقراطي. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر