تحت رعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يشهد الرواق العباسى بالجامع الأزهر سلسلة من الندوات والفعاليات فى إطار «الدورة التدريبية الأولى لتجديد الفكر والخطاب الديني" بالجامع الأزهر. وقال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، إن هذه اللقاءات المتعددة التى يقوم بها الأزهر الشريف بشكل متواصل تهدف إلى علاج إشكالية تجديد الخطاب الدينى التى يتحدث عنها الكثير من الناس دون معرفة حقيقية، وتحديد آلياته وأسسه، وأن يعلم الناس ما التجديد، وما الذى يقبل التجديد، وما لا يقبله، وهل هناك حاجة حقيقية للتجديد أم لا؟، وهل التجديد معنى به الأزهر فقط أم هناك مؤسسات أخرى معنية به مثل وزارة التربية والتعليم، والتعليم العالى لتعديل المناهج، ووزارة الثقافة فى كتبها المختلفة، وكذلك الإعلام الذى طالما يتحدث عن هذا التجديد، ووزارة الأوقاف للإشراف على هذا التجديد، داعيًا الجميع إلى تحمل مسئولياته لتحقيق هذا الهدف المنشود. ويحاضر فى الدورة نخبة من علماء الأزهر الشريف من أبرزهم الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، والشيخ الدكتور طه علوانى أحد علماء الأزهر الشريف من دولة العراق الشقيق، والذى أكد فى كلمته الافتتاحية أن الدورة عبارة عن مدارسة بين علماء الأزهر للوصول لصيغ مشتركة لتجديد الفكر والخطاب الدينى لمواكبة العصر خاصة مع المستجدات التى تحيط بالعالم الإسلامى فى العصر الحديث. وأضاف شومان أن الأزهر يقوم بدوره فى هذا التجديد من خلال إعداد مجموعة من الدعاة يجمعون بين العلم الشرعى الثابت منه والمتغير، موضحا أن الثابت فى الدين قليل مقارنة بالأمور المتغيرة، ولكن هذا الثابت غير قابل للتجديد، أما الأحكام التكليفية فهى مرنة للغاية بين المندوب والمكروه والحلال، وكل هذا فى إطار الاجتهاد وهو ما يقوم به الأزهر بالفعل بطرق قد لا تعجب البعض، لكن هذا هو العلم الصحيح الذى يفرق بين النص الثابت والاجتهاد المتغير، ويعلم اللغة وحال العصر والناس والفقه وأموره المختلفة. وأشار شومان إلى أن الأزهر يسعى من خلال العديد من المؤتمرات والفعاليات وحركته المستمرة لتعديل المناهج لتجديد الفكر الإسلامي، معلنا عن بداية تدريس المناهج الجديدة من العام المقبل مع إعادة النظر فيها مرة كل ثلاث سنوات لتجديدها. من جانبه قال الدكتور محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، إن التراث هو ميراث الأمة الإسلامية، فمن يرميه مجنون، ومن يسيء استخدامه أحمق، ومن ينميه ويحافظ عليه هو العاقل، وقد كان الأديب نجيب محفوظ فى بداية حياته يرى أنه إما أن نعيش بتراثنا ونبقى متخلفين أو أن نستغنى عنه ونواكب العصر، ولا يوجد خيار ثالث بين الاثنين، ولكنه غير رأيه فى أواخر حياته، حتى قال فى أحد لقاءاتى به الأزهر شرف لكل مسلم. وأضاف خلال الندوة الثانية التى عقدت تحت عنوان: “علاقة العقل بالنقل .. نظرة جديدة”، أن البعض يريد أن يستغنى المسلمون عن تراثهم، بينما يرى آخرون أن التراث يجب الاحتفاظ به وتقديسه دون إضافة أو تطوير، ليبقى حبيس المكاتب ويحرم المسلمون من الاستفادة منه، والصحيح أن نتعامل مع التراث بطريقة متوازنة من خلال تيسيره للناس. وأوضح الدكتور زقزوق أن التراث به علم غزير، وفى نفس الوقت به جوانب سلبية، وبه أحاديث ضعيفة تم الاستشهاد بها، وقد أقر حجة الإسلام أبو حامد الغزالى أن كتابه إحياء علوم الدين كان يحوى أحاديث ضعيفة، وعلل ذلك بأنها جاءت فى فضائل الأعمال فقط، وقد عكف رضى الله عنه فى السنوات الثلاث الأخيرة من حياته على دراسة علم الحديث الشريف. وأكد أن التجديد هو سنة كونية فكل شيء فى الوجود يتجدد حتى خلايا الإنسان، لأن التجديد هو ما يضمن استمرارية الحياة، لذلك فإن من أراد أن يخدم التراث الإسلامى من العلماء فعليه أن ييسره للناس ويبسطه لهم، مع عدم الاستغناء عن أصول التراث الإسلامي، فالكتب المؤلفة هى اجتهادات قابلة للنقد، مضيفًا أنه من سماحة الإسلام وتشجيعه على الاجتهاد أن جعل لمن أجتهد فأخطأ أجرا، لأن الإسلام يريد من المسلمين اقتحام ميدان الاجتهاد لمن يمتلك أدواته بدون خوف.