جاء حكم القضاء المصري العظيم( محكمة القضاء الإداري), بإلزام الحكومة بوضع حد أدني جديد للأجر, بمثابة انتصار تاريخي للعاملين في مصر ولكل من سعوا إلي هذا الهدف بصورة حقوقية وعلمية وسلمية . وقبل تناول العناصر الأساسية التي ينبغي ان يتضمنها أي نظام جديد للأجر حتي يكون فعالا اقتصاديا وعادلا بين العاملين وأرباب العمل, لابد من الإشارة إلي أن الناتج المحلي الإجمالي المصري, بلغ وفقا لبيانات البنك المركزي المصري, نحو1038.6 مليار جنيه في العام المالي2009/2008, وبلغ عدد السكان نحو80 مليون نسمة, بما يعني أن متوسط نصيب الفرد في مصر من هذا الناتج, قد بلغ نحو12982 جنيها في السنة أي نحو1082 جنيها شهريا للفرد. كما بلغ متوسط إنتاجية العامل في العام المالي نفسه, نحو41711 جنيها(7584 دولارا) في العام أو نحو3276 جنيها شهريا, وهو ما يعني أن رفع الأجور المستهدف لن يتم من خلال الاستعانة بموارد إضافية في القطاع العام أو الخاص, بل بإعطاء العاملين حقوقهم في القيمة المضافة التي أنتجوها. وكان متوسط أجر العامل في الصناعة التحويلية في مصر قد بلغ2210 دولارات في العام خلال الفترة من عام1980 إلي عام1984, في وقت كانت القيمة المضافة لكل عامل في هذه الصناعة, نحو3691 دولار. أي أن الأجر كان يوازي نحو60% من إنتاجية العامل. ووفقا لهذا المنهج في توزيع القيمة المضافة, فإن متوسط أجر العامل من المفترض أن يكون نحو25 ألف جنيه في العام, في حين أن متوسط أجر العاملين في الجهاز الحكومي لا يزيد عن16.6 ألف جنيه للفرد في السنة في مشروع الموازنة العامة للعام2010/.2011 وهذا التغير يعكس التدهور الشديد في عدالة توزيع الدخل بين العاملين وبين أرباب العمل. ويمكن تركيز العناصر الأساسية لنظام الأجر العادل والمحفز للعمل والابتكار الذي نقترحه علي النحو التالي: 1- أن يكون الحد الأدني للأجر كافيا لحياة كريمة للعامل, وأن يتغير تلقائيا كل عام بنفس نسبة معدل التضخم المعلن رسميا, حتي لا تتراجع قيمته الحقيقية. وأن تتم مراجعته كل ثلاث سنوات لمعالجة الآثار المحتملة لارتفاع الأسعار بأكثر من معدلات التضخم المعلنة رسميا. وحتي يكفي الحد الأدني للأجر الأساسي للعامل لحياة كريمة, فإنه ينبغي أن يكون في حدود1200 جنيه شهريا في الوقت الحالي, علما بأن إيجار سكن متواضع( إيجار الشقة الصغيرة63 مترا في مساكن مبارك للشباب في المدن الجديدة وصل إلي300 جنيه حاليا, أما امتلاكها بقسط يصل إلي700 جنيه شهريا فإنه أمر بعيد المنال بالنسبة للعمال), ومأكل( تكاليف طعام متقشف للفرد لا تقل حاليا عن300 جنيه شهريا بواقع10 جنيهات يوميا), وملبس(100 جنيه شهريا), وانتقالات(200 جنيه شهريا), والباقي نثريات أو مدخرات صغيرة لتدبير متطلبات الزواج الذي من المنطقي أن يستعد له العامل بعد استلام عمله. ومع تدرج راتب العامل وفقا لأقدميته فإنه يصبح بالكاد كافيا لإعالة أسرته بعد تكوينها في ظل معدل الإعالة الراهن في مصر والذي يبلغ3.51 فرد لكل عامل. وللعلم فإن الحد الأدني للأجر الأساسي للعامل في القانون48,47 لسنة1978, كان16 جنيها, وكان يشتري في ذلك الحين320 كيلوجراما من الأرز, ثمنها حاليا1000 جنيه. كما كان يشتري نحو18 كيلوجراما من اللحم ثمنها حاليا نحو900 جنيه, كما كان يشتري نحو16 جراما من الذهب ثمنها حاليا نحو2700 جنيه. وحتي لو قبلنا بثبات هذه القدرة عند مستواها عام1978, فإن هذا يتطلب زيادة الحد الأدني للأجر الأساسي للعامل إلي مستوي1200 جنيه شهريا علي الأقل. 2 يتم عمل تسوية لمرتبات العمال القدامي وزيادة معاشات العمال المحالين للمعاش بنسبة موازية للنسبة التي ارتفعت بها الأجور, ويتم تمويل الزيادة من الموازنة العامة للدولة ضمن خطة شاملة لاستعادة فوائد أموال التأمينات من الحكومة بعد أن ظلت لسنوات طويلة لا تدفع عنها سوي فوائد ضئيلة للغاية نسبتها2%, ثم4%, ثم6% في وقت كانت أسعار الفائدة تتراوح خلاله بين12% و18%. 3 يرتفع الأجر الأساسي للعامل سنويا بنسبة7% كمقابل للخبرة والأقدمية, يضاف إليها نسبة تعادل معدل التضخم المعلن رسميا, دون أن توضع أي حدود قصوي لقيمة الزيادة في الأجور الأساسية بناء علي هذه النسب. ومن الواجب الأخذ في الاعتبار مسألة العدالة في توزيع مخصصات الأجور وما في حكمها من خلال وضع سقف للدخول الشاملة لكل العاملين والموظفين في القطاع العام والهيئات الاقتصادية والجهاز الحكومي, بحيث لا يتجاوز أعلي دخل شامل لأي مستوي وظيفي(خمسة عشر ضعفا)15 ضعف الحد الأدني للأجر الشامل للعامل في الدولة, وهو ما سيوفر الكثير من الأموال التي كانت تذهب بشكل غير عادل لفئة محدودة من القيادات العليا, بحيث يمكن استخدامها في إصلاح نظام الأجور عموما. 4- يكون الأجر الأساسي للعامل هو أساس دخله من العمل, ولا تزيد الدخول الإضافية من بدلات وحوافز ومكافآت شهرية عن100% من هذا الراتب الأساسي.ومن الضروري مراعاة توحيد الأجور الأساسية في الجهاز الحكومي والهيئات الاقتصادية والقطاع العام وفقا للتوصيف الوظيفي, بدلا من التفاوت الرهيب وغير العادل في دخول العاملين في مهنة واحدة حسب الجهة الحكومية التي تقوم بتشغيلهم. وينبغي أن يكون واضحا أن الأموال التي تدخل كإيرادات في قطاع البترول أو قناة السويس أو الضرائب, هي مال عام, وليست ملكا لتلك الجهة تنفق منها كيفما شاءت. ومن المؤكد أن هذا التوحيد للأجور سيوفر الكثير من الأموال التي يمكن أن تستخدم في تمويل إصلاح نظام الأجور عامة. ونظرا لأن الحكومة تعللت لسنوات طويلة بعدم توفر التمويل لتغيير الحد الأدني للأجر, فإنه من المفيد أن نطرح المداخل الرئيسية لتوفير التمويل الضروري لرفع الحد الأدني للأجر وهو ما نتناوله في المقالة القادمة. المزيد من مقالات احمد السيد النجار