أزمة سياسية طاحنة تعصف ببوروندي، إحدي دول حوض النيل، بعد تصاعد وتيرة أعمال عنف ومظاهرات حاشدة لم تشهدها البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 2005 احتجاجاً على قرار ترشيح الرئيس الحالى بيير نكورونزيزا فى الانتخابات المقررة الشهر المقبل لتولى فترة ولاية ثالثة، إلى جانب استخدام الشرطة القوة في مواجهة الاحتجاجات، وإغلاق وسائل التواصل الاجتماعي، وأخيراً نزول الجيش الشوارع لإعادة حفظ الأمن. ورغم أن ما تشهده بوروندى الآن هو سيناريو تكرر مراراً في عدد من دول القارة السوداء، فإنها تختلف عن أقرانها هذه المرة فى أنها صاحبة تاريخ طويل من الصراعات العرقية والانقلابات العسكرية، الأمر الذي يزيد المخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة قد تؤدى إلى اضطرابات إقليمية واسعة تشمل منطقة وسط أفريقيا برمتها. وكان إعلان حزب المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية فى بوروندى عن ترشيح الرئيس نكورونزيزا لتمثيله في الانتخابات الرئاسية المقررة في 26 الشهرالمقبل هو الشرارة التى أشعلت نار الاحتجاجات التى دعت إليها نحو 300 منظمة من منظمات المجتمع المدنى بزعم أن قرار الترشيح يمثل انتهاكاً صارخاً للدستور الذى ينص على تولى رئيس البلاد فترتي رئاسة بجانب انتهاك اتفاق أروشا للسلام عام 2000 الذي كان له الفضل في حل الخلافات العرقية في بوروندي، الأمر الذى دفع الآلاف من السكان إلى اللجوء للدول المجاورة تحسباً لاندلاع حرب جديدة، وهو ما أعاد إلى الأذهان من جديد أجواء الحرب الأهلية التى أذكتها قبيلتا الهوتو والتوتسي، والتي أسفرت عن مقتل نحو 300 ألف شخص، بينما يرى أنصار الرئيس الحالى أن فترة رئاسته الأولى لم تحتسب نظراً لأن البرلمان هو الذي اختاره ولم يكن من خلال انتخابات ديمقراطية. وتؤكد حكومة بوروندى أن الاحتجاجات وما أعقبها من أعمال عنف جابت العاصمة بوجمبورا ما هى إلا أعمال إرهابية تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد وإشعال حمامات الدم العرقية مجدداً. ومن هذا المنظور، يعتقد خبراء معنيين بالشئون الإفريقية أن معظم دول القارة السوداء تعانى من التدخلات الخارجية في شئونها، والتنافس الشرس بين القوي الدولية الكبري للاستحواذ علي ثرواتها واستغلال أراضيها لتحقيق أهدافها ومصالحها، مما يعد عائقا أمام إرساء الاستقرار وتحقيق التقدم فيها، بل تحفز بعض الأيادى الخارجية الشعوب الأفريقية ولا سيما المعروفة بتاريخها المليء بالصراعات والحروب، مثل بوروندى، للانقلاب على حكامهم. وما يؤكد ذلك هو أن الرئيس الحالى بيير نكورونزيزا أشرف على فترة من الاستقرار أثارت إعجاب الجميع خلال فترتي رئاسته، إذ قام كل من الحزب الحاكم والمجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية بتشديد قبضته على السلطة منعاً لنشوب صراعات عرقية مجددا. وأخذ المشهد السياسى فى بوروندى منحنى آخر بعد نزول الجيش شوارع العاصمة البوروندية لمساعدة الشرطة فى استعادة السيطرة على الوضع الأمني فى الجمهورية، على غرار ما حدث في مصر وتونس عام 2011، وفي بوركينا فاسو العام الماضي، بينما هزت مفاجأة من العيار الثقيل أركان البلاد بإعلان المحكمة الدستورية موافقتها على ترشح الرئيس نكورونزيزا لقترة ولاية ثالثة، وهنا اكتنف الغموض مصير البلاد، خاصة بعد أن أكدت وسائل إعلام أن المحكمة لجأت إلى هذا القرار بعد أن تعرض القضاة لتهديدات بالقتل، بل وفرار بعضهم، وسواء كان هذا الأمر صحيحا أم لا، فإنه يدل على مدى خطورة الوضع الراهن في بوروندي، كما ينذر بضياع هيبة الدولة بعد هيمنة العنف والخوف علي سلطات القضاء، أعلي سلطة في أي دولة، فما الذي يمكن أن تأتي بعدها؟ وهنا يجتاز الجيش اختبارا صعبا بعد أن صار رمز المصالحة واستيعاب الفصائل المتناحرة التي كانت مسئولة عن نزيف الدماء بعد انتهاء الحرب الأهلية الوطنية ، فهل سيلتزم الحياد كما تعهد أم سيندفع وراء السياسة الحالية أم سيقف بجانب المعارضة وهو ما سيتضح في الأيام المقبلة القادمة؟! وبسبب التاريخ الاستعماري المشترك فى منطقة البحيرات العظمى والهياكل الاجتماعية والعرقية المماثلة، فإن الوضع الحالي في بوروندي ينبئ بحرب واسعة النطاق يمكن أن تدفع إلى تعبئة العناصر المناهضة لرواندا في المنطقة والتي ما زالت على علاقة باتحاد شباب الائتلاف الحاكم المعروف باسم" إمبونيراكو" جنبا إلى جنب مع القوات الموالية لنكورونزيزا، والتي يمكن أن تجر معها قوى إقليمية أخرى إلى صراع واسع في نهاية المطاف. ومن هنا فإن الحل الأمثل لاحتواء هذا الموقف المتردي قبل فوات الأوان، هو فتح حوار مع كافة الأطراف السياسية المعنية بضمان السلام فى بوروندى، وعلي حكومة بوروندي استخدام العقل والحكمة ومنع أي تدخل خارجي من قبل الأممالمتحدة أو الجهات المانحة الغربية حتى لا تتكرر سيناريوهات دول الربيع العربي مثل تونس وسوريا، المأساوية.