تلقيت رسالة أحسست من ثنايا سطورها بأنها رسالة صادقة وأن كاتبها أشبه بغريق فى بحر متلاطم الأمواج وأنه يعانى من حيرة مترددة بين الاستسلام للغرق أو التعلق بأى شيء يمكن أن يصل به إلى الشاطيء! الرسالة تقول:«إننى أبلغ من العمر خمسة وثلاثون عاما وأعمل فى هيئة محترمة بمرتب معقول منذ عشرة أعوام ويرى الكثيرون من أبناء جيلى أننى « محظوظ » لأننى لم أذق طعم البطالة وحظيت بهذه الوظيفة المرموقة.. ولكن لا أحد يعرف ما أعانيه منذ عدة سنوات حيث يداهمنى بين الحين والحين إحساس بأن الحياة لا معنى لها وأن رحلتى معها على وشك الانتهاء ثم سرعان ما يتحول هذا الهاجس النفسى إلى مردود عضلى أشعر معه بأن قدمى لا تساعداننى على النهوض إلا بصعوبة ويصاحب ذلك أوجاع تضطرنى إلى الذهاب للطبيب فلا يجد سببا عضويا وينصحنى مرة بالرياضة وأخرى بشغل وقت الفراغ... ويوما بعد يوم أشعر بأن الشيخوخة قد تملكتنى تماما وأن رغبتى فى الانطواء قد حلت مكان ما اعتدت عليه من حياة اجتماعية رحبة وقدرة على الحوار والنقاش والتواصل مع الآخرين. وقد زاد من دهشتى أن هذا الشاب الذى رمز لنفسه ب«ص ع» اكتفى فقط بأن عرض خواطره ولم يطلب منى أو من غيرى رأيا أو مشورة مما وضعنى فى حيرة البحث عن سبب تسطيره لهذا الخطاب ولم أخرج من هذه الحيرة إلا بعد أن استقر قرارى على اعتبارها رسالة قاريء يريد أن يفتح الباب لحوار عام حول ظاهرة تستحق الاهتمام والنقاش !. وقد عزز من انتصارى لهذا الرأى أننى سبق أن تلقيت رسائل مماثلة وإن كانت أقل حدة وتشاؤما من هذه الرسالة، ولكن هناك خيطا واحدا يربط بين كل هذه الرسائل وهو خيط الإحساس بغياب الأمل والاقتراب من اليأس نتيجة سيطرة مشاعر التشاؤم والقلق!. واسترجعت فى ذاكرتى ما سبق أن قرأته قبل سنوات عن المخاطر النفسية والاجتماعية للغزو الثقافى الذى ستفرضه آليات عصر «العولمة» خصوصا بالنسبة للشعوب التى ولدت وتربت على قيم أصيلة ومعتقدات راسخة ثم تصدمها تحولات ومتغيرات تمثل انقلابا فى الفكر وتزيد من بحر الحيرة وتعمق من جذور الشك... ثم تذكرت أنه بالنسبة لنا فى مصر فإن الخطر مضاعف لأنه لم يعد قصرا على غزو « العولمة » فحسب وإنما لدينا ما يزيد على ذلك !.. وغدا نستكمل مناقشة هذه الرسالة. خير الكلام : كل إنسان يحمل فى قلبه همّا وفى عقله أرقا ! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله