مشكلة خطيرة تطفو على سطح الأحداث فى مصر، وتهدد المساعى الحثيثة لإقامة نظام سياسى مستقر، والجهود الهائلة لإفاقة الاقتصاد وإنعاشه، فى ظل الحرب المستعرة بين المجتمع والإرهابيين ورعاتهم بالخارج، وهى الارتباك والأداء الباهت - غير المبرر - لوزراء ومسئولين بعدد من مواقع العمل، على نحو يدعو للأسى، خاصة مع تمسح بعضهم «بتعليمات السيد الرئيس»، أوانتظار تدخله شخصيا فى أمور هى فى صميم وظيفتهم، هذا الوضع يكشف عن خطرين يحدقان بالنظام الحالى، هما كثرة الأعداء وكثرة المطبلاتية، أما الأخطر فهو قلة رجال الدولة «الحقيقيين» مما يعطل «المراكب السايرة. لم يتزحزح رهان الشعب على الرئيس السيسى، لكن الاستقرار التام للأوضاع ليس مهمة يسيرة، والإقامة فى ظل المتاح باهظة التكلفة، ويناقض إلحاح السيسى على تقصير زمن المشروعات الجديدة، لتحقيق إنجازات يلمسها المواطن، وتحييد الأخطار وانتزاع مصر من ورطتها القائمة. لنكن أكثر وضوحا، لقد أنجز المصريون المرحلتين الأولى والثانية من خريطة الطريق، بإقرار الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية، لكن الانتخابات البرلمانية مازالت تواجه عقبات قانونية تثير لغطا سياسيا، مرجعه غياب الواقعية عن واضعى الدستور، لكن العطب الأساسى كان فى صياغة قانون مجلس النواب، خاصة تقسيم الدوائر، على يد وزارة العدالة الانتقالية، الذى نقضته المحكمة الدستورية، ومن ثم تحول اللاعبون المهترئون والديناصورات المنهكة فى الساحة السياسية إلى «أبطال من ورق» ينخرطون فى اتهامات فارغة صاخبة دون جدوى أو تقدير لمصلحة الوطن، وأمام هذه الانتكاسة أطلق المتربصون سهامهم بأن الأمر مقصود، لتظل مصر بلا برلمان حتى يخلو الجو للإدارة الحاكمة تفعل ما تشاء، وهى دعاوى زائفة، يتجلى تهافتها مع إصرار الرئيس على تهيئة المناخ لانتخاب مجلس النواب، يؤدى دوره دون نقصان. موقف آخر أشد بأسا ودلالة على الانحدار المريع الذى وصلت إليه عقلية بعض القائمين على تعليم الأجيال فى بر المحروسة، عندما أحرق مسئولون كبار بإحدى مدارس الجيزة «الكتب» أمام الطلاب، واقعة ألقت بظلال كئيبة حول قدرتهم على تشكيل العقل والوجدان المصرى، ليخرج منتصرا فى المعركة الكبرى، ضد التطرف والعنف والجمود والتخلف، واستدعت مقارنات مع جرائم تدمير التراث الإنسانى على يد «داعش» فى العراق وسوريا، وألمحت إلى ما يمكن تسميته نوعا من «التطرف المضاد»، فى بلد يعد مهد الحضارة ومنبع المعرفة وقوة عظمى ثقافيا، دون مبالغة أو نرجسية. أعاد إحراق الكتب ذكرى وقائع مشابهة فى عصور الانحطاط التى سقطت فيها الأمة، كإحراق كتب الفيلسوف «ابن رشد» والتى لم تجد لها حماية آنذاك إلا بتهريبها إلى مصر. رمزية الجريمة أزاحت الغطاء عن كارثة أشد، هى «جهل» هؤلاء المسئولين بمضامين الكتب وعجزهم عن التمييز بين التطرف والاستنارة، لذلك أحرقوا فرحين - كتاب «الإسلام وأصول الحكم» لعلى عبدالرازق، وهو مؤلف فى ثلاثينيات القرن الماضى، يهدم الأساطير المؤسسة للإسلام السياسى ويفند مزاعمه الفكرية والعقيدية والسياسية، هذا «الجهل الفاضح الغاشم» هو أكثر ما يثير القلق، لأن انتشار أمثال هؤلاء «المربين» فى طول البلاد وعرضها، ينذر بإعادة استنساخ تلك العقليات المغيبة، وينشر «جهلا» أفدح من التطرف وأبشع أثرا.. بالطبع لن نستطيع استقصاء الصورة كاملة، لكن لابد من الإشارة إلى وزير الكهرباء فهو «رايح جاى»، بخصوص انقطاع التيار من عدمه فى الصيف.. الموقف نفسه نلمسه من وزراء حائرين، يمسكون ملفات جماهيرية مهمة:بطالة الشباب تقض مضاجع كل الأسر، فى الوقت نفسه، تظل مئات المصانع متوقفة، دون أن يمد إليها أحد يد العون، شوارعنا مازالت قذرة، مواصلاتنا، مدارسنا، الأمن الجنائى،... إنها الأيدى المرتعشة لمسئولين يتقاعسون عن القيام بواجباتهم، فيسدد المجتمع أثمانا مضاعفة لقصور أدائهم، فهل المطلوب من الرئيس أن يتفرغ لإعطاء توجيهات لكل موظف، حول الطريقة المثلى لأداء العمل..؟! ليست الصورة كلها سلبية، بالقطع، لكن هذه المشكلة هى «سرطان» لاعلاج له سوى الاستئصال، خاصة أن مصر فى النقاهة، بعد ثورتين، وفترة النقاهة أخطر من أوقات المرض، ويزداد الخطر أن أخطاء بعض التنفيذيين تصل إلى حد الخطيئة، دليلا على ضعف الاتزان وقصور التفكير إزاء هذا الشعب الصابر «صبرا استراتيجيا»، شعب يعض على الأمل بالنواجذ، يخوض حربا شرسة ضد إرهابيين وفاسدين «مستريحين» كثيرين، وأعداء بالداخل والخارج، ولن يكتب له النصر وبلوغ التقدم والازدهار إلا إذا عملت جميع أجهزة ومؤسسات الدولة، بوتيرة واحدة، بلا فروق فى السرعات. بوضوح أشد، لقد طلب السيسى حفر قناة السويس الجديدة فى عام واحد بدل خمسة، لذا يتوجب على أصحاب المناصب استيعاب مغزى الرسالة، والعمل بمقتضى تكليفها، دون انتظار تعليمات من الرئيس فى كل صغيرة وكبيرة، لمصلحة الوطن والمواطن والحكومة نفسها، فالأضواء وحدها لاتضمن النجاح، دون اجتهاد، والمثل يقول:«امنح ممثلا فاشلا دور البطولة يحترق»..! [email protected] لمزيد من مقالات محمد حسين أبوالحسن