يحيي الأرمن حول العالم غدا الذكرى المئوية للمجازر التي لحقت بأجدادهم خلال الحرب العالمية الأولى، والتي أودت بحياة مليون ونصف المليون شخص من أسلافهم على يد الإمبراطورية العثمانية. ورغم انتقادات تركيا التي ترفض تماما تعبير "الإبادة" لوصف إحدى أسوأ الصفحات السوداء في القرن العشرين، فإن المجتمع الدولي يوما بعد يوم يزداد إصرارا على مساندة الأرمن في قضيتهم ليس لمكانة دولة في حد ذاتها أو لجهودها المتواصلة لاسترداد ما سلب منها، ولكن اعترافا بأن حق الإنسان لا بد وأن يرد سواء أكان حيا أو ميتا.ومن المتوقع أن يشارك مئات الآلاف في ياريفان العاصمة فى الاحتفال بالذكرى المئوية للإبادة أمام نصب تذكاري للضحايا بالتزامن مع احتفالات ومسيرات بعدة دول أخرى بما فيها تركيا. وتم تدشين هذا النصب المهيب، الذي يتضمن 12 لوحة من البازلت، مسنودة إلى مشعل لا ينطفئ، وسهم بطول 44 مترا في الأعلى يرمز إلى نهضة الشعب الأرمني، في عام 1967 بعد سنتين من مظاهرات حاشدة في ياريفان دعت للمرة الأولى إلي الاعتراف ب"الإبادة الجماعية". وقبل هذه المظاهرات غير المسبوقة في أرمينيا التي كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي الخمس، كان الأرمن يشيرون إلى تلك المجازر بالحديث عن "ميدز يجيرن" أو "كارثة كبيرة".
وقال الرئيس الأرمني سيرج سركيسيان مع قرب الذكرى المئوية إن "إبادة الأرمن ليست فقط مأساة شعبنا، ولكن أيضا جريمة عالمية ضد الحضارة والإنسانية".
ويقول الأرمن إن حوالى مليونا ونصف المليون شخص قتلوا بشكل منهجي بين عامي 1915 و1917 وخلال السنوات الأخيرة قبل سقوط الإمبراطورية العثمانية. واعترفت نحو عشرين دولة بينها فرنسا وألمانيا وروسيا بهذه "الإبادة" أو ما كان يسميها المجتمع الدولي سابقا"المذبحة".
لكن تركيا- وريثة الإمبراطورية العثمانية- لا توافق ياريفان في تقديراتها، وتتحدث بدورها عن حرب أهلية حصلت في الأناضول، إلى جانب وجود مجاعة، أودت بحياة 300 إلى 500 ألف أرمني، بالإضافة إلى عدد كبير من الأتراك. وقد أثارت أنقرة الجدل أيضا، عن طريق تنظيم احتفالات مئوية معركة جاليبولي(الدردنيل)، في 25 أبريل، وهي المعركة التي وقعت يوم 24 من نفس الشهر، الذي يتذكر فيه الأرمن ضحايا "الإبادة".
وفي 24 أبريل 1915، ألقت السلطات العثمانية القبض على آلاف الأرمن في القسطنطينية (اسطنبول حاليا) الذين اشتبهت بان لديهم مشاعر وطنية معادية للحكومة المركزية. وتم إعدام وترحيل غالبيتهم في نفس اليوم الذي أصبح بالنسبة إلى جميع الأرمن حول العالم يوم ذكرى "الإبادة". ولذلك فمن المقرر أن يتجمع عدد صغير في اسطنبول الجمعة لإحياء ذكرى مرور مائة عام في مراسم تذكارية حول الشتات الأمني في المهجر من لوس أنجلوس إلى ستوكهولم، ومن باريس إلى مصر وبيروت.
ويشارك وفد مصري، هو ثاني أكبر وفد مشارك في مراسم إحياء الذكرى بعد الوفد الفرنسي، مكونا من 55 شخصا على رأسهم البابا تواضروس رئيس وفد الكنيسة الأرثوذكسية ووفد يمثل بابا إثيوبيا وعدد من الشخصيات العامة والجالية الأرمينية في مصر.
وتشمل الاحتفالات الرسمية بمئوية إبادة الأرمن في العاصمة ياريفان عدة فعاليات بدأت منذ يوم 22 أبريل من بينها عقد المنتدى الدولي تحت عنوان " ضد جريمة الإبادة " وصلوات وتقديس للشهداء في المقر الكنسي واحتفالات أخري في النصب التذكاري ومتحف الإبادة في 24 أبريل. كما تتضمن الاحتفالات الرسمية مسيرة بالشموع في شوارع ياريفان حتى النصب التذكاري.
ورغم أن المجازر قد مرت عليها سنوات طويلة لكن الحق لا يمكن التغاضي عنه تحت أي مبررات . صحيح أن من مات لن يعود للحياة لكن حقه يظل حيا، فهل يستمر المجتمع الدولي في مساندته لهذه القضية حتى يرد الحق لأصحابه ويعترف المخطئ بذنبه؟