مرة أخري عادت حركة الشباب الصومالية لتتصدر المشهد السياسي وتصبح مادة دسمة لعناوين الصحف العالمية ووكالات الأنباء, إقتحام مروع لمبان حكومية صومالية فى العاصمة مقديشو أودي بحياة العشرات يسبقه هجوم مفاجىء وعنيف على جامعة جاريسا في شمال شرق كينيا أسفر عن مقتل المئات, عودة دراماتيكية لجماعة مسلحة سيئة السمعة دوليا يبدو أنها تحاول سرقة الأضواء من "داعش" و "بوكو حرام" المجموعتين اللتين تمثلان على ما يبدو جيلا جديدا من الإرهاب, فهل تنجح فى ذلك؟ وهل يؤثر ذلك على الإستراتيجية التى تنتهجها حركة الشباب لتحقيق أهدافها؟ يبدو أن حركة الشباب الصومالية رغم إنتمائها وولائها لتنظيم القاعدة إلا أنها تتوق للإنضمام للتنظيم المتعطش للدماء "داعش", ويبدو هذا جليا فى الأسلوب الدموي الذي إنتهجته فى هجماتها الأخيرة وخاصة هجوم كينيا, فقد وصف هذا الهجوم بالأعنف الذي يقع على الأراضي الكينية منذ الهجوم على مركز ويست جيت التجاري في عام 2013، وهذا الهجوم يشكل الحلقة الأخيرة من تحوّل حركة الشباب من حركة مقاومة شعبية إلى منظمة إرهابية دولية بكل ما للكلمة من معنى، فإعدام طلاب الجامعة كان له أهمية خاصة بالنظر إلى تاريخ حركة الشباب، حيث شكّل التفجير الذي افتعلته الجماعة في حفل تخرج الأطباء الجدد في مقديشو في عام 2009 أحد الأخطاء السياسية الأكثر إحراجا لها، ومنذ ذلك الحين امتنعت الحركة عن تنفيذ الهجمات بشكل مباشر على الطلاب، غير أن تبني الحركة للحادث الأخير يدلل على تحول واضح في إستراتيجيتها ونهجها المستقبلي. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الشكل الذي تم من خلاله تنفيذ الهجوم، فاستهداف جامعة ومطاردة الطلبة المسيحيين وتعمد خطف الرهائن، هي تصرفات تحمل بصمات جماعة بوكو حرام، الجماعة الإرهابية النيجيرية سيئة السمعة والمرتبطة بداعش، والتي قامت باختطاف أكثر من 200 تلميذة من مدينة شيبوك في عام 2014، وإذا افترضنا أن محاكاة أسلوب بوكو حرام في عملية جاريسا هو فعل غير متعمد، فيمكن أن يشير هذا الهجوم إلى وجود نية لإعادة تنسيق وتنظيم توجهات حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة منذ فترة طويلة، لتصبح توجهاتهم أقرب إلى توجهات تنظيم الدولة الإسلامية، وإذا كان الأمر كذلك، ينبغي أن نتوقع استخدام حركة الشباب في المستقبل لتكتيكات أكثر عنفا من أي وقت مضى، وذلك في خضم سعيها لمنافسة الفروع الأخرى لتنظيم الدولة الإسلامية لاكتساب السمعة السيئة وإحراز الأهمية في التحرك الجهادي العالمي. ويري المحللون أن حركة الشباب الصومالية التي جذبت دائما الأجانب منذ عدة سنوات تلتزم باستراتيجية للتوسع الإقليمي، فبالنسبة لهم، الحدود غير موجودة أو غير شرعية, إذ يعتبرون أن جميع مناطق المسلمين في شرق إفريقيا ساحة معركة، وبدا ذلك جليا من الرسالة التى إحتوت عليها مجزرة جاريسا: "هذه أراضي المسلمين, لا حق فيها لا للمسيحيين ولا للحكومة الكينية", وهو الأمر الذي رأته صحيفة "الجارديان" البريطانية يمثل تخوفا من اشعال نيران الصراعات الطائفية في كينيا التي تعتبر من أكثر الدول استقرارا وتقدما في إفريقيا. وبحسب محللين، فإن حركة الشباب التي تأسست في أوائل عام 2004 والتي تمثل جناح القاعدة في الصومال رغم ضعفها العسكري والمعنوي في المرحلة الراهنة إلا أنها لن تختفي في المستقبل القريب عن عدسات الإعلام والمشهد السياسي، ولعل الهجمات الأخيرة التي شنها التنظيم تعد دليلا دامغا على زيادة الخطر الناجم عن وجود هذا التنظيم، والذي تطور ليصبح تهديدا دوليا لعدة أسباب أولها: الحرب الأهلية والمجاعة التي دمرت البلاد، حيث أصبحت الصومال واحدة من أفقر البلدان على وجه الأرض، بالإضافة إلى الفوضى التي ترتبت على غياب الحكومة المركزية، وهو الأمر الذي خلق فراغا أدى لنشأة العديد من الجماعات المتطرفة, والسبب الثاني يتمثل فى تطوع عدد كبير من المهاجرين الصوماليين للقتال جنبا إلى جنب مع التنظيم المتطرف خلال السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي أثار قلق أجهزة الاستخبارات الأمريكية من احتمالات حدوث هجمات إرهابية تستهدف الأراضي الأمريكية, أما السبب الثالث فهو تمكن التنظيم المتطرف من تنظيم حملات لجمع التبرعات بمبالغ كبيرة في الداخل الصومالي حيث اعتمدت على القرصنة والابتزاز، كما أنها أسست العديد من الجمعيات الخيرية التي تصب تبرعاتها في مصلحة التنظيم. صناع القرار في كل مكان - وليس فقط في كينيا، ولكن في أوروبا والولايات المتحدة أيضا - يجب أن ينظروا إلى هجمات حركة الشباب الأخيرة على أنها بمثابة إعلان للإنضمام إلى السباق نحو الدرك الأسفل من فساد الجهاد العالمي، وكلما طالت الفترة المستلزمة لتنفيذ الإصلاحات المتطلبة، كلما تطورت الأحداث القادمة لتصبح أكثر عنفا وفظاعة.