رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة :"مهرجان "الهند على ضفاف النيل" يواصل نجاحه فى مصر". قفزت تلك الرسالة على شاشة تليفونى المحمول لتضيف الجديد عن الجهود المبذولة لتدعيم وزيادة مستوى الروابط المصرية الهندية. وللمرة الثالثة تتدفق على مصر ما يمكن أن أصفه ب "كتيبة الثقافة والفكر والفنون" الهندية. وتمثل تلك الكتيبة باقة من خيرة أبناء الهند فى مجالات الثقافة والفكر والفن بمختلف أشكاله من غناء ورقص وتمثيل ورسم وحرف يدوية بالإضافة لفنون الطعام والشاى وخبراء الصحة العامة الهندية باستخدام الأيورفيدا (علم الحياة وفق الكتب الهندية القديمة) واليوجا التى تمثل نظاما روحيا وفنيا للحياة الصحية يهدف إلى تحقيق التناغم بين الجسد والعقل. وكانت مفاجأة حقيقية أن شهد العام الحالى مشاركة الممثل البارز أميتاب باتشان أحد أساطير الهند فى دنيا الفن والسينما والذى ظلت الشخصيات البطولية التى قام بتمثيلها فى الأفلام السينمائية تسيطر على ذاكرة المشاهد المصرى على الرغم من مرور عدة عقود عليها وهو الأمر الذى أدهش أميتاب باتشان ذاته الذى أسعدته العودة لزيارة مصر من جديد. وكان هناك سانجوى روى الخبير فى تحويل الثقافة والفن والإستعراضات إلى مشروعات ناجحة، والذى إمتدت مجهوداته إلى مساعدة أطفال الشوارع فى بلاده. وهو حاصل على جائزة لجنة رؤساء الولاياتالمتحدة للفنون والعلوم الإنسانية وشغل العديد من المناصب الإستشارية فى جميع أنحاء العالم. وكانت هناك السيدة ليلى تيابجى المصممة والكاتبة ورئيسة جمعية للحرف التقليدية والحرفيين. وقد نجحت تيابجى فى دعم آلاف الحرفيين وأسرهم فى الهند عبر الخروج بمنتجاتهم وخبراتهم إلى العالم. وفى واقع الأمر، فإن ما قامت به تلك "الكتيبة الثقافية الفنية" الهندية المتميزة من نشر لأفكار وتقديم لأعمال إبداعية وفنية جذابة يندرج تحت بند تحقيق ونشر التنوع الثقافى. فالتنوع الثقافى أداة أساسية لسد الفجوات بين الثقافات تمهيدا لنشر السلام والإستقرار والتنمية والتعاون البناء. فمن المتعارف عليه أن 75% من الصراعات الرئيسية المشتعلة فى العالم لها أبعاد ثقافية. أما الأهم فيتمثل فى أن التنوع الثقافى يعد قوة محركة للتنمية ووسيلة لعيش حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً. كما يعد التنوع الثقافى ميزة ضرورية للحد من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة. لقد توقفت وتأملت بعناية رسالة وجهتها إحدى الشركات الهندية إلى الجمهور المصرى ؛ فالشركة الهندية التى تعمل فى مجال مضخات المياه ظلت لنصف قرن من الزمان تصدر منتجاتها بنجاح للسوق المصرية، وقالت :"كل قطرة ماء تغذى بذرة، وكل بذرة يتم جنيُها كمحصول"، وأكدت أن الشركة برعت فى جلب نقاط المياه إلى صحراء مصر لتخضيرها حتى ساهمت فى إستزراع 150 ألف هكتار من الصحراء المصرية. ووفق النموذج السابق فإن وضع الثقافة فى صميم سياسة التنمية والتعاون الدولى لا يشكل استثمارًا أساسيًّا فى مستقبل العلاقات المصرية الهندية فحسب بل استثمار فى مستقبل العالم أجمع وشرط مسبق ل"عولمة ناجحة". وفى النهاية، أعتقد أن جزيل الشكر والتقدير يجب أن يوجَّه إلى من فكروا وقاموا بتنظيم ذلك المهرجان وفى مقدمتهم المسئولون عن التمويل والدعم بالمؤسسات والشركات الهندية والمصرية التى حولت فكرة المهرجان إلى حقيقة ناجحة، وكذلك كل التحية للمجلس الهندى للعلاقات الثقافية ووزارتي الثقافة والسياحة المصريتين وللسفير نافديب سورى سفير الهند في القاهرة الذى يتسم بالنشاط والمثابرة هو والسيدة المثقفة قرينته وطاقم العمل بسفارة الهند الذين أثبتوا عمليا وبمجهوداتهم المتميزة أن الدبلوماسية الثقافية أمل العالم فى مستقبل أفضل، ومفتاح التعاون البناء بين الأمم، والدرع الواقية للعلاقات الدولية من الدمار والتخريب والمؤامرات. كما دفعنى ذلك إلى "التطلع" لدور ثقافى مصرى فى فتح أسواق جديدة وتدعيم العلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع كافة دول العالم. دارت تلك الأفكار فى ذهنى، فنحيت تليفونى المحمول جانبًا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ