الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، كان واضحا فى حواره مع إذاعة القرآن الكريم فى الذكرى ال 51 لتأسيسها،حين قال:«إنه عندما طالب بالثورة الدينية كان يقصد ثورة لصالح الدين بأن نقف وننتقد أنفسنا. وكان أكثر وضوحا حين وجه رسالة إلى المسئولين بشبكة القرآن الكريم بأن يهتموا بكبار العلماء والمفكرين الإسلاميين، قائلا: » كل آيات القرآن تدعونا إلى التفكر والتدبر، لم يطالبنا بأن نكون قوالب جامدة، أو بعدم التفكير، وأنَّ إذاعة القرآن الكريم لن تكفى وحدها، للعمل على تجديد الخطاب الديني، مطالبًا بالاعتماد على المفكرين للحديث عن رحمة الدين، وعن جوهر الإسلام والمسلمين، وأنَّ الشباب فى حاجة إلى الاستماع إلى هذه الرؤى من أجل إصلاح هذا الخطاب. علماء الدين من جانبهم يؤكدون أن الدعوة التى أطلقها الرئيس تتعلق بثورة فى الفكر لصالح الدين وهو ما يعنى أنها ثورة معرفية بالأساس، وإننا بحاجة إلى حوار مجتمعى عاجل وموسع يشارك فيه المفكرون لا علماء الدين وحدهم للقيام بهذه المهمة الجليلة، ووزارة الأوقاف من جانبها بادرت بإطلاق حوار مجتمعى حول تجديد الخطاب الدينى يشارك فيه كل الطاقات العلمية والثقافية والفكرية ممن يعنون بشأن الوطن ويبذلون أقصى الجهد فى سبيل بنائه. وأوضح العلماء أن تحديات تجديد الخطاب الدينى والإشكالات التى يطرحها، فى السياق العربى والإسلامى الذى يموج بتحولات سياسية واجتماعية وفكرية متسارعة، تستلزم الحوار والتعاون بين الجميع.
ويقول الدكتور محمد مختار جمعة, وزير الأوقاف، إن الحوار المجتمعى فى كل شئوننا الدينية والثقافية والعلمية صار أمرا شديد الإلحاح، لأننا نحتاج إلى رؤى مختلفة, ويكفى ما عانيناه من أحادية البعد الثقافى, ومحاولة فرض الرأى الدينى فيما يقبل الاختلاف, والاجتهاد دون إعمال للعقل أو مراعاة لمقتضيات العصر. وأكد أن الخطاب الدينى يعانى ثلاث معضلات كبرى, أهمها وأخطرها: الجمود والانغلاق الفكري. وثانيها: الميل إلى التسيب والتحلل والانفلات. وثالثها وهو لا يقل خطورة عن الأولين: الخوف من التجديد, والتردد فى شأنه, ومحاولة إمساك العصا من المنتصف فى قضايا تحتاج إلى جرأة وشجاعة. ومن هنا بادرت الوزارة بإجراء حوار وطنى مجتمعى حول تجديد الخطاب الدينى رغبة فى الاستفادة من كل الطاقات العلمية والثقافية والفكرية ممن يعنون بشأن الوطن ويبذلون أقصى الجهد فى سبيل بنائه. ويؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، أن الدعوة إلى تدشين حوار مجتمعى بالتعاون بين علماء الدين والمفكرين لتجديد الخطاب الديني، يعتبر خطوة هامة على طريق التجديد ودعم الحوار بشكل عام، واشتراك المجتمع فى هذا الحوار يعد وقوفا على نبض الشارع وأحاسيس الناس ومشاعرهم، وهذا أمر هام لأن الخطاب الدينى ليس خطابا ذاتيا بل خطاب للغير، ولابد أن نستمع إلى الجماهير، لأن ما يقوله الدعاة والعلماء مثله مثل الدواء، وما يصلح لأحد قد لا يصلح لغيره، ومن أجل ذلك كان لابد من الاستماع للآخرين، والحوار معهم حول مشكلات الخطاب الديني، وذلك بهدف أن نصل بالخطاب الدينى إلى المستوى الذى يلمس حياة الناس، ويعبر عن الواقع، فالحوار المجتمعى يحدث تواصلا وتكاملا بين المتحدث والمتلقي، وهذا التفاعل سيكون له نتائج متميزة، والمجتمع فى أمس الحاجة للحوار، لأنه هو اللغة الأقرب فى الإقناع، والمؤكد أن هذا الحوار المجتمعى سوف يخرج بأمور مهمة للغاية، سيكون لها دور كبير فى تجديد الخطاب الديني، بما يتناسب مع الواقع وظروف العصر. التواصل مع جميع الفئات وفى نفس السياق يرى الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أننا بحاجة إلى إطلاق حوار مجتمعى شامل وتنظيم ورش عمل، بمشاركة علماء الدين والخبراء من مختلف التخصصات للقيام بهذه المهمة، موضحا أن تجديد الخطاب الدينى يتطلب الحوار مع جميع فئات المجتمع، لأن هذا الخطاب يوجه للجميع، ولابد أن يكون التجديد مناسبا للجميع فيركز على القضايا والمشكلات التى تمس واقع الناس، والتعرف على هذه المشكلات يأتى من خلال الحوار، ومعرفة المشكلات، وتناولها فى الخطب والدروس الدينية، بما يؤثر فى كل طبقات المجتمع، وهذا يتطلب أن تكون هناك ورش عمل بمشاركة العلماء والدعاة والمتخصصين والمفكرين، للوصول إلى واقع المجتمع، وتناول هذا الواقع بطريقة تدفع المجتمع للأمام، وعلاج كل أوجه القصور والخلل، والتركيز على القيم والأخلاق. وأضاف: إن فتح حوار مجتمعى مع مختلف الفئات، من المثقفين وأساتذة الجامعات والخبراء فى مختلف التخصصات، للحديث حول تجديد الخطاب الديني، والتعرف على آراء وفكر هذه الفئات، سيكون له بالغ الأثر فى المستقبل، لأن كل واحد من المشاركين فى هذا الحوار المجتمعى سوف يدلى بدلوه، وسوف يعرض المشكلات التى يراها، وسيتم الحديث عن أفضل السبل والآليات للتجديد، وهذا التنوع والاختلاف مهم للغاية، لأن الخطاب الدينى يوجه لفئات مختلفة، والمؤكد أنه من خلال هذا الحوار سوف نضع أيدينا على أهم المشكلات التى تواجه الخطاب الديني، وكيف يمكن الوصول إلى واقع الناس، وتناول القضايا التى تهم المجتمع، والوزارة بهذا الأسلوب ترجع الموضوع إلى أصله، لأنها تتعرف على واقع الفئات المختلفة، ورؤية هذه الفئات فى تجديد الخطاب الديني، حتى تصل الوزارة فى النهاية إلى جوهر القضية، وتعالج الموضوع بشكل يناسب الجميع، وفى هذه الحالة سيكون هناك حالة من التوافق بين موضوعات الخطاب الدينى وواقع الناس. دور الإعلام ومن جانبها تشير الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إلى أهمية وسائل الإعلام فى تجديد الخطاب الديني، وترى أن الحوار المجتمعى يفعل من خلال المنابر ووسائل الإعلام، ولابد أن تكون هناك خطة منظمة وحقيقية، بالتعاون بين التليفزيون المصرى ووزارة الأوقاف، على أن يتم هذا التواصل والحوار من خلال الأئمة والدعاة والعلماء المشهود لهم بالكفاءة والوسطية، ويتم التواصل عبر وسائل الإعلام لمعرفة الموضوعات التى تهم الناس، وترى أن التليفزيون المصرى لابد أن يقوم بدوره فى هذا الحوار المجتمعي، لأن الصورة المرئية أكثرا تأثيرا فى الناس، وهى أقرب الوسائل للوصول إليهم، هذا بالتنسيق مع الخطباء والدعاة المؤهلين، الذين يمتلكون فكرا ورؤية، ولديهم القدرة على معرفة مشكلات الناس، وكيف يفكرون ورؤيتهم لتجديد الخطاب الديني، على أن تكون مهمة هؤلاء الدعاة البحث عن العلل والأمراض المنتشرة فى المجتمع، وعلى رأسها العلاقات المجتمعية بين الإنسان وأخيه، سواء فى العمل أو الشارع، أو عند الحديث فى المختلف فيه، لأن العنف فى الحوار أصبح ظاهرة. وترى أن ملامح وسبل التجديد بعد الاستماع إلى جميع المعنيين بهذا الأمر، يجب أن تركز على القضايا الأخلاقية والتعامل بين الناس، لأن المجتمع يعانى حاليا لغياب القيم الأخلاقية فى التعامل، سواء فى المعاملات اليومية أو حتى إشارات المرور وغيرها من الأمور المرتبطة بالحياة، وتحتاج إلى تصحيح وفهم، وهذا ضرورى جدا لبناء مجتمع متحاب متقارب يقبل الاختلاف، ويعلى من حب الوطن والإخلاص فى العمل والتسامح، والتعامل بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولابد أن يقوم الإعلام بدوره فى نشر هذه القيم، بالتوازى مع دور المنابر، فهناك الكثير من القضايا التى تحتاج بعثا معنويا واجتماعيا، وهذا يحدث لو تم الحوار بشكل منظم ومدروس، وتم تفعيل وتناول القضايا التى عرضت خلال هذا الحوار. التخلى عن الأنا المفكرون يرون أيضا أهمية إشراكهم مع علماء الدين فى البحث عن آليات لتجديد الخطاب الديني، فيقول الدكتور محمد على سلامة، أستاذ النقد الأدبى بكلية الآداب جامعة القاهرة إنه لابد من التخلى عن الأنا تماما فى الخطاب الدينى، لأن هذا المنطق الأنوى هو السبب فى اختلاف المسلمين وتصارعهم, فكل فرقة من الفرق الإسلامية تصورت من خلال ذواتها الخاصة أنها هى المعنية بالأمر والمسئولة عنه, ومن هنا نتجت الخلافات فى الأحكام حول الحلال والحرام ومختلف قضايا الدين.. إلخ. ونحن لم نستوعب سر نجاح الصحبة الأولى التى تخلت عن ذواتها تماما وفهمت أن رسالتها تبليغ الدعوة واستمالة القلوب دون التدخل فى الحلال والحرام اكتفاء بما نص الله عز وجل عليه فى كتابه الكريم ووضحه رسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم. هذا هو سر نجاحهم والتزمه الأئمة الأعلام فى الفقه: أبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد بن حنبل, فلم نجد واحدا منهم يتهم الآخر بالتقصير أو بأى إساءة من الإساءات. وحينما كانوا يختلفون حول أمر من الأمور يتفننون فى إيجاد الأدلة والبراهين والتحليل الدقيق للمسألة دون إشارة إلى خطأ فلان أو فلان, ويعتمدون فى هذه الحالة على قلب المؤمن المتلقى لأفكارهم وآرائهم استنادا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وابصة »استفت قلبك وإن أفتاك المفتون«. ولابد للمتزعمين والمتحمسين لفكرة تجديد الخطاب الدينى أن يلتزموا هذا المنهج لكى تنجح دعوتهم. رفع مستوى الخريجين أما الدكتور عادل عبدالعزيز أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر فيرى رأيا مغايرا نراه بعيدا ويراه قريبا, فيقول: ينبغى قبل أن نتحدث عن الحوار المجتمعى من أجل تجديد الخطاب الدينى أن نعيد النظر فى قانون 63 الذى أصدره جمال عبدالناصر لتطوير الأزهر, فنحن نجنى تبعات وثمرات ذلك القانون الذى أدى إلى انهيار كامل فى المنظومة التعليمية بالأزهر الشريف, وإن لم نفعل سيكون كل كلام يقال فى إطار تجديد الخطاب الدينى «فض مجالس», وقد اصطدمت بتلك النتيجة حينما دعيت لإلقاء محاضرات على الدعاة الجدد من خريجى الأزهر الذين سيحملون مشعل التجديد فى الخطاب الدينى، فعليكم أولا إن كنتم صادقين فى دعواكم أن تعيدوا النظر فى منظومة التعليم بالأزهر قبل أن تتحدثوا عن تجديد الخطاب أو حوار مجتمعى، ففاقد الشىء لا يعطيه. فإن لم تفعلوا فعليكم بفتح الباب أمام خريجى الجامعات المدنية لدخول الأزهر مثلما فعل الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الشريف, وقد كنت أنا والدكتور على جمعة والدكتور منيع عبدالحليم محمود من ثمار تلك التجربة.