اضطرت الظروف الاقتصادية والاجتماعية والجهل بالضوابط الشرعية بعض الناس إلى اللجوء ل "الزواج العرفى" وأنواع أخرى من الزيجات السرية التي تختلف مسمياتها، مؤيدة ببعض الفتاوى من فريق من العلماء. وقد ترتب على مثل هذه الفتاوى مشاكل صارخة داخل المجتمع، من أبرزها ضياع حقوق الزوجات والدعاوى القضائية في ساحات المحاكم. علماء الدين يؤكدون أن مثل هذه الأنواع من الزيجات تتنافى مع مقاصد الشريعة الإسلامية من سنة الزواج التي شرعت لإعمار الكون واستمرار الحياة والسكن والمودة والرحمة. وأوضح العلماء أن الزواج العرفي المستوفى الشروط وإن كان صحيحا شرعا، إلا أنه يضيع الحقوق ويكون موقف المرأة فيه ضعيفا، خاصة أنها تفقد الحماية القانونية لاسترداد حقوقها، وان قانون الأحوال الشخصية في مصر ألزم بوثيقة الزواج حفاظا على حقوق المرأة من الضياع. ويقول الدكتور نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، كان الاعتماد على إثبات الزواج في صدر الإسلام يقوم على الشهادة، مع أن الكتابة كانت معروفة كما ورد في آية الدين: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) وكان يعرف سند الدين بالصك، ولكن كانت عقود الزواج تعتمد على الأركان والشروط الصحيحة، بأن يكون الزوج والزوجة كل منهما حلال للآخر، وتوافر الولاية والشهود، وتحقق العلانية. ومعظم الزيجات التي تمت في صدر الإسلام وماتلاها من عصور اعتمدت على هذا النحو، وعند الخلاف بين الزوجين واللجوء إلى القاضي، كان يرجع إلى شهادة الشهود الذين شهدوا على العقد، أو من حضر قسطا من العلانية، أو اللجوء إلى اليمين الحاسمة (القسم). واستمر ذلك حتى ظهر في أوائل القرن العشرين بما يسمى (إجراءات التوثيق أو الشهر)، واشترط المشرع بدءا من ظهور قوانين الأحوال الشخصية سنة 1920 على أنه لاتسمع عند الإنكار دعوى الزوجية إلا إذا كانت مسجلة في وثيقة رسمية (قسيمة الزواج), وبالتالي فإنه توقف العمل بالأنكحة الشفهية، حتى ولو توافرت شروطها، لأنها افتقدت شرطا من الشروط التي تطلبها ولي الأمر حفاظا على حقوق المرأة وتفاديا لجحود وإنكار عقد مهم (عقد الزواج). ويضيف، وأصبح من هذا الأمر عقد الزواج ينقسم إلى قسمين (الزواج العرفي الصحيح، وما يسمى الزواج المستوفى بشروط النفاذ القانونية) الأول من الناحية الشرعية صحيح في شكله ومضمونه، بشرط اعتراف الزوج به وعدم إنكاره، لأننا في هذه الحالة لم نكن في حاجة إلى اللجوء للقاضى، فيثبت بهذا الزواج غير الموثق النسب، وحقوق المرأة ويتوارث كل منهما من الآخر بمقتضى هذا الاعتراف، لكن القانون أراد أن يضمن للجميع حقه، ولا يتوقف الأمر على شخصية الزوج يعترف أو ينكر، وربما لا نجد الشهود الذين شهدوا العقد ربما هاجروا أو ماتوا، فتطلب ضرورة النكاح على يد الموظف الرسمي (المأذون). أنواع زواج أخرى وأكد الدكتور نجيب عوضين أن الزواج العرفي المستوفى الشروط صحيح شرعا، والعلاقة غير آثمة، إلا أنه قولا واحدا يضيع الحقوق ويكون موقف المرأة فيه ضعيفا، خاصة أنها تفقد الحماية القانونية لاسترداد حقوقها، وهذا أمر رأى ولي الأمر أن يقيد عقود الزواج بشرط التوثيق لما خربت الذمم وضاعت حقوق الناس، وبالتالي يجب علينا ألا نسمح بنشر عقود الزواج العرفية ولو كانت صحيحة خضوعا لقرار ولي الأمر الذي يملك سلطة تقييد المباح، وأن تدعيم هذه الأنكحة والقول بصحتها يفسد العامة. ويحذر من يصدر هذه الفتاوى قائلا: ليس كل الناس على فقه يفهمون ما تقول، وإنما يئول كل صاحب مصلحة فتواك لتحقيق مصلحته وحده، وقانون الأحوال الشخصية المصري حتى اليوم لن يعترف حتى بالصورة الصحيحة للزواج العرفي لعدم وجود (القسيمة) ويضيع بذلك نسب الأطفال وحقوق النساء، والقضايا الشهيرة تملأ وسائل الإعلام المختلفة، والأمثلة كثيرة على ذلك. يجوز بأركانه ويوضح الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، أن الزواج العرفي الموجود الآن في بعض صوره لا يسمى زواجاً عرفيا، ولا يمت إلى الزواج بصلة، كأن يكتب رجل وامرأة ورقة يثبتان فيها الزواج ويوقعان عليها دون مهر أو شهود أو ولي، ثم بعد ذلك يحدث الجماع، ولاشك أن هذا ليس بزواج شرعي، بل وليس بعرفي صحيح، ومن هنا فإننا نذهب إلى ما ذهب إليه فضيلة العلامة الراحل الدكتور عبدالحليم محمود، لكن إذا وقع الزواج العرفي بطريقة صحيحة، وهي أن يستوفي الأركان والشروط الشرعية المستتبعة بصحة العقد فهو زواج صحيح شرعاً، دون حاجة إلى توثيق، وإن كنا لا نحبذ هذا الرأي، فالزواج في الإسلام ليس ورقة يكتبها الإنسان بينه وبين زوجته، ثم بعد ذلك يقطع هذه الورقة ولا يكون هناك أثر للزواج. وأضاف: إنه إذا توافر في الزواج العرفي الإيجاب والقبول والشهود والصداق والولي عند بعض أهل العلم، فإنه يكون زواجا شرعيا، يلزم الزوجة بكل ما أمر به الشرع، وإن لم يسجل عند مأذون، أما إذا لم يتوافر (والكلام للدكتور عبدالحليم محمود) فيه ذلك فإنه لايكون زواجاً شرعيا، والحق أحق أن يتبع.