«المنسى قنديل حول التاريخ إلى أسطورة».. هكذا وصف الروائى سعيد الكفراوى رواية «كتيبة سوداء» أحدث أعمال د. محمد المنسى قنديل فى ندوة بمعرض الكتاب.. والحقيقة أن هذه الرواية تؤكد أن صاحبها يجمع بين براعة الروائى وثقافة المؤرخ، فرواية »كتيبة سوداء« تتناول حدثا منسيا من تاريخ مصر، وهو أخبار فرقة عسكرية مصرية سافرت لتقاتل فى صفوف الجيش الفرنسى فى المكسيك، وتقع أحداث الرواية فى الفترة بين عامى 3681 و7681، فتحكى قصة أفراد «الأورطة» المصرية، منذ أن جلبهم أحد النخاسين من غابات إفريقيا، بعد أن عقد صفقة مع رئيس قبيلتهم تحولوا بموجبها من أحرار إلى عبيد مقابل خمس بنادق، ثم تحول طريقهم إلى الجندية بعد أن تسببت إحدى الفرنسيات فى انقلاب الحاكم التركى على النخاس، فصادر أملاكه ومن بينها هؤلاء العبيد. ثم تتفرع أحداث الرواية إلى خطين متوازيين، الأول يتتبع خطوات النمساوى «ماكسميليان» الذى اختارته فرنسا ليكون امبراطورا للمكسيك التى تحتلها، وكيف قبل المنصب بعد تردد بضغوط من نابليون امبراطور فرنسا، وأيضا من زوجته »شارلوت« التى تطمع فى السلطة، والخط الآخر يتتبع «الأورطة» التى سافرت إلى المكسيك بعد أن طلب الامبراطور الفرنسى نابليون الثالث من الخديو سعيد مساعدته فى حربه على المكسيك، فتتكرر رحلة العذاب التى مروا بها من سواحل إفريقيا إلى مصر، ولكن هذه المرة بشكل أكثر قسوة »من مصر إلى المكسيك«. وفى المكسيك يتلاقى الخطان وتتقاطع المصائر، فتواجه الكتيبة الموت فى كل لحظة، وتقاتل عدوا لا تعرفه، وتساند حليفا ظالما لا تحبه، لكن أفرادها يقاتلون فى كل معركة دفاعا عن حياتهم وليس طمعا فى سلطة أو فى ثروات تلك البلاد كما يفعل من يستخدمونهم، وبالتوازى تتتبع الرواية حياة الامبراطور الجديد الذى واجه هو أيضا أطماعا دولية متعددة الأطراف، وفوجئ بتخلى من دفعوه دفعا لحكم هذه البلاد عنه، بل ووقوفهم حجر عثرة فى طريق الخطوات التى حاول اتخاذها لإصلاح الأوضاع فى امبراطوريته، حتى قام نابليون بسحب قواته من المكسيك ومنهم الكتيبة السوداء وذلك رغم جهود زوجة «ماكسميليان» التى سافرت إلى فرنسا فى محاولة لإثناء نابليون عن هذا القرار، لينتهى مصيرها إلى الجنون، بينما ينتهى مصير زوجها الامبراطور إلى الإعدام على يد »المتمردين« برعاية أمريكا القوة الجديدة التى تريد إنهاء السيطرة الفرنسية على جارتها المكسيك. وفى الرواية ما يستحق الكثير من الاهتمام النقدى، بداية من عنوانها «كتيبة سوداء»، الذى جاء نكرة فى إشارة إلى التجاهل التاريخى الغريب لبطولات تلك الفرقة العسكرية التى نالت احترام الجميع حتى كرمها نابليون الثالث، ومع ذلك اضطر الكاتب لجمع شذرات مما كتب عنها، بل وسافر لتقصى أخبارها حتى جمع هذه الخيوط القليلة المتناثرة وغزل منها أحداث روايته. ومن أهم أدوات المنسى قنديل الإبداعية فى هذه الرواية براعته فى استخدام الراوى العليم، وذلك على الرغم من تأكيده على عدم ميله لاستخدامه، فالراوى يتنقل ببراعة بين عقول وقلوب الشخصيات الفاعلة فى الرواية لينقل للقارئ أفكارها ومشاعرها، بداية من النخاس «ود الزبير» الذى جلب العبيد من إفريقيا، واختياره «شارلوت» زوجة الامبراطور ليروى عبرها الأحداث التى تقع للامبراطور. ويأبى قنديل إلا أن ينتصر للحياة وللحرية، بالرغم من مشاهد الموت والعبودية التى تطغى على أحداث الرواية، فينهى أحداث روايته بمشهد »الوليد« ابن الجندى »على جوفان«، الذى هرب من الأورطة ليتزوج من الفتاة المكسيكية التى أحبها.. الكتاب: كتيبة سوداء المؤلف: محمد المنسى قنديل الناشر: دار الشروق