إتصل تليفونيا رجل متزوج بأحد البرامج الشهيرة المتخصصة في شئون المرأة والأسرة يشكو نفسه للطبيب النفسي الذي كان ضيف الحلقة وطالبته مذيعتا البرنامج بأن يسرد بالتفصيل مشكتله مع زوجته ولكنه فاجأ الجميع في الحلقة بأن زوجته مثال للزوجة المحبة له ولأسرته وصبورة حيث تتحمل منه ما هو فوق طاقة أي إمرأة لأنه ببساطة عصبي جداً حتي أنه يبرحها ضرباً عند حدوث أي خلاف بينهما حتي ولو بسيط وهذا ما يحدث لكثير من الزوجات ولكن الصدمة الكبري أنه كان يمارس هذا العنف أيام الخطوبة أيضاً وأنها تحملت ذلك لأنها تحبه كثيراً. والحقيقة أنني تعجبت لحال هذه المرأة التي تقبلت بحجة الحب الإهانة اللفظية والجسدية من الرجل الذي تحبه أثناء فترة الخطوبة ولماذا لم تفكر بأن ما يحدث مرة خلال فترة الخطوبة سيتكرر مراراً وتكراراً بعد الزواج ؟ أم أن فعلا "ضرب الحبيب زي أكل الزبيب ".
من وجهة نظر علم الإجتماع فإن القيم والعادات والتقاليد في المجتمع المصري تحدد أدوار الذكور والإناث وتفضّل الذكور على الإناث وتعظّم سلطتهم الأسرية والإجتماعية على حساب تقليل شأن الإناث والتأكيد علي تبعيتهن وطاعتهن للذكور بل والسماح للأخ بأن يضرب أخته منذ الصغر حتي لو كانت تكبره في السن ويستمد هذا العنف ضد المرأة شرعيته من مصادر مختلفة من أهمها الثقافة الإجتماعية السائدة والتراث الشعبي والقانون الذي لا يجرم هذا العنف داخل الأسرة وكذلك الإعلام الممثل في أفلام السينما والمسلسلات التليفزيونية وغيرها ممن أصبحوا دعوة للعنف وليس العكس.
وقد أوضحت الدراسات أن 20 إلي 60 % من النساء في الدول النامية يتعرضن للضرب في داخل الأسرة أو من أزواجهن وأن 35% من المصريات المتزوجات يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن على الأقل مرة واحدة منذ زواجهن وإن الحمل لا يحمي المرأة من هذا العنف فإن 69.1% من الزوجات يتعرضن للضرب في حالة رفضهن معاشرة الزوج وإن 69.1% يتم ضربهن في حالة الرد على الزوج بلهجة لا تعجبه.
هذا بالإضافة إلي نتائج تقرير التنمية البشرية 2014 التي جاءت صادمة فيما يتعلّق بتبرير ضرب الزوجات في المجتمعات العربية، حيث احتلت الأردنيات اللاتي يبررن ضرب الزوجة ممن شملتهن الدراسة المرتبة الأولى بنسبة 90 ٪ تلتهن الصوماليات بنسبة 75.7 ٪ ثم الجزائريات 67.9 ٪ فالمغربيات 63.9 ٪ ثم العراقيات 51.2٪ والسودانيات 47.0 ٪ والمصريات 39.3 ٪ فالتونسيات 30.3 ٪ وجاءت اللبنانيات أخيراً وبفارق واضح حيث بلغن نسبة 9.7 ٪ ولم يذكر التقرير بيانات عن الدول العربية الأخرى.
وتوصل علماء النفس بعد تحليل شخصية الرجل الذي يضرب زوجته إلي عدة أسباب لإنتشار هذه الظاهرة .. أولها أن الرجل يتعرض لحالات إحباط بالمجتمع أو العمل وقد تتكالب عليه لدرجة تدفعه لتفريغ شحنة الغضب التي بداخله على الزوجة والأبناء دون ذنب اقترفوه أو أن المستوى التعليمي للزوجة يكون مرتفعا عن زوجها مما يولد إحساسا بالغيرة لديه أو (الشعور بالنقص) والذي قد يتراكم مما يدفعه إلى ممارسة العنف معها أحيانا لكي يثبت لنفسه ولها بأنه هو المسيطر في النهاية أو يفاجأ الزوج بقوة شخصية زوجته وتمسكها بمواقفها وآرائها أو يلاحظ بأن شخصيتها بدأت تطغى عليه أو تتسلط عليه أو يشعر بالسجادة تسحب من تحت رجليه أو يلاحظ زوجته تتطاول عليه بالشتم أو السخرية عندها يلجأ للصراخ والضرب والاهانة .
ومما لا شك فيه أن هؤلاء الرجال نسوا إن علاقة الزوج بزوجته قائمة على المودة والرحمة والألفة والسكنى كما قال الله تعالى :(ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) وقد كان رسول الله هو القدوة المثلى في معاملة أهله ويتضح ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) كما نهى عليه الصلاة والسلام عن ضرب النساء وجعل النفقة على الزوجة من أعمال البر والصدقة، وأمر بالصبر على خلق المرأة نظراً لما يعتريها من التغير والتوتر النفسي خلال فترة الطمث أو الحمل أو غيرها من العوامل التي ترهق نفسية المرأة.
وأخيراً .. الرجولة كلمة تردد علي الألسن دون فهم للمعني الحقيقي لها فالرجل للمرأة سواء كان أبا أو أخاً أو زوجاً في المستقبل هو الحماية التي تبحث عنها المرأة في مواجهة أي خطر تقابله خلال مشوار حياتها منذ طفولتها وحتي آخر العمر " فالرجل ليس بفلوسه وقوته ..الرجل بأخلاقه وحنيته ".