جلس فى أحد أركان المقهى كعادته كل يوم ليكتب شكاوى أهل حارته..ولايعرف لمن يرسلها ومن سيستلمها. سطر أول شكواه لامرأة رسمت التجاعيد ملامح الزمن على وجهها قامت فى الصباح الباكر تبحث عن رزقها وحينما « جبرت» عادت. وهى تحمل على رأسها « لقمة هنية» لأولادها وفى يدها «كيس السميط » ولكنها لا تعرف هل ستقوى على حمل الرزق على رأسها مرة أخرى ؟رأى هناك وهو جالس يتأمل وجوه الناس .. طفل عيونه ممتلئة بالفرحة والسعادة .. وأخ يحمل أخته الصغيرة على كتفه ليثبت أنه قادر على حملها وحمايتها من الأذى.. رأى فى عينيه الرجولة التى تظهر فى أوقات الشدة .. وفى عيون أخرى عزة النفس والرضا رغم الفقر المدقع.. واسترسل الرجل فى كتابه الشكاوى حتى رآها قادمة هى وزوجها، يحمل وجهها ملامح الحيرة وهى تحمل ابنها متوجهة إلى الوحدة الصحية حيث ميعاد التطعيم لتحميه من أمراض الزمن، فى حين وقف بائع غزل البنات ينظر الى المجهول قائلا : « هل سنرى جديد ؟» مشاهد مختلفة من مصر جمعها الفنان طارق منتصرفى كتاب يحمل عنوان « الناس فى بلادى » أظهر من خلاله كيف تحمل هذه الأكتاف النحيلة عبء ظروف قاسية وفقر مدقع دون أن تفقد خفتها ورقتها وابتسامتها. وحين التقي كاتب الشكاوى علي المقهي اتفقا على أن أصحاب الأكتاف النحيلة هم « ناس بلادى ».