يجول ويصول ناضحاً بما فى داخله من همّ فى عبارة واحدة على لسانه يتحسس من خلالها الرزق: «بيض.. سميط.. جبنة»، بجلباب رثّ يظهر من تحته «كلسون» صعيدى يرتديه، ووجه متجهم دائماً بسبب الفقر المدقع، ونعل يكشف عن بعض أصابعه يجوب الشوارع بحثاً عن الرزق. يتذكر عمّ «رمضان الصعيدى» عندما أتمّ عامه الرابع عشر، وقتها دفعته ظروف نشأته الفقيرة بإحدى قرى محافظة المنيا، إلى العمل فى أحد أفران الخُبز، ظل يستنشق «هبو» ملأ رئتيه، حتى وصل إلى العشرين، قدِم بعدها إلى القاهرة، عمل فى أحد الأفران مرة أخرى، حتى أرقدته حادثة أعجزته عن الحراك، لم يتحمل «وقفة» الفرن أمامه بالساعات، فقدماه لم تعدا تتحملان بعد جسده النحيل عاد «رمضان» إلى بيته منكسراً وصنع صندوقاً بدائياً يضع فيه «البيض والجبنة»، بينما يعلّق على هذه الأسياخ الخشبية «السميط». بنت فى العشرين من عمرها، وولد يبلغ من العمر 13 عاماً، وبنت ثالثة صغيرة، وزوجة.. هذا هو موروث «رمضان» من دنياه: «طلَّعت ابنى من المدرسة لإننا على قدّنا.. وبنتى على وش جواز ومش عارف أجهزها». من «قليوب» حيث يقطن إلى إشارات المرور حيث يسترزق، يُكرر ما يفعله يومياً، شارك فى الثورة ليس «ثائراً» ولكن بائعاً متجولاً: «أنا ماليش فى السياسة.. عاوزين ناكل عيش»، مُستنكراً الاحتفالات التى سيُقيمها الثوار يوم 25 يناير، فهو له وجهة نظر خاصة: «إزاى الناس هيحتفلوا والثورة اتسرقت منهم.