فى مدينة ميت غمر, بمحافظة الدقهلية.. فى 17 يناير عام 1918 ولد نعمان عاشور.. كان العالم يتغير بنهاية الحرب العالمية الأولى.. وكان الطفل مغرما بالقراءة، تفتحت عينيه على الدرر التى احتوتها مكتبة جده الضخمة.. بمؤلفاتها الثرية فى ميادين مختلفة, التاريخ والأدب والدين وغيرها ظلت القراءة رفيقه طوال رحلته, لم تنته بدراسته للغة الإنجليزية بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول «القاهرة» وتخرجه منها عام 1942.. اطلع على الأدب العالمى لمشاهير الكتاب أمثال: وليم شكسبير, هنريك إبسن، وأنطون تشيكوف.. وتأثر بها جميعا. أما عشقه للمسرح فقد بدأ برفقته لوالده الذى كان دائم التردد على مسارح عماد الدين لاسيما مسرح الريحانى، فحفرت كوميديا الريحانى بنقدها الاجتماعى الساخر مكانا داخله.. وفى تلك الفترة فتح خطوط اتصال بالحركة الأدبية الصاعدة في مصر وقتها بعد الحرب العالمية الثانية.. فكان فى مقدمة المثقفين الشباب بين الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى.. تلك الحركة اهتمت بمشكلات المجتمع وهمومه, فظل إنتاجها الأدبى محفورا فى ضمير الأمة حتى الآن.. وعلى وجه الخصوص صار نعمان عاشور رائدا للدراما الواقعية التى بلغت ذروتها فى الفترة التى سبقت ثورة يوليو 1952.. واستمرت بعدها, فى مسرحيات هى من روائع المسرح العربى مثل: «المغماطيس», «وابور الطحين», «سباق مع الصاروخ» , «بلاد برة», زصنف الحريمس, «حواديت عم فرح», «فوانيس», «سر الكون», «عيلة الدوغرى», «الناس اللى فوق», «برج المدابغ», «بطولات مصرية», «ثلاث ليالى», وغيرها.. تغلغلت نصوصه فى بنية المجتمع المصرى، فقدم ما يشبه التأريخ للشخصية المصرية، عبر لغة حية مفعمة بالتفاصيل. حمل داخله فكرا ثوريا للتغيير، من مجتمع يعتمد على الإقطاع وسيطرة رأس المال إلى مجتمع اشتراكى، إعتبر ممثل اليسار فى المسرح المصرى فى تلك الفترة. وكانت جملته «الكوميديا أفضل الطرق لعكس الواقع خاصةً عندما يكون مؤلماً».. هى مفتاح شخصيته وإنتاجه أيضا. أميز ما فى مسرح نعمان عاشور, أنه وضع يده مباشرة على واقع ندركه ونلمسه جميعا، حتى ولو كنا لا نملك تفسيرا له، اتسم مسرحه بالمحاكاة والمعايشة الكاملة، اهتم بالواقعية المصرية التي لم تكن موجودة في المسرح المصرى فى الأربعينيات والخمسينيات، فاستقبلته الجماهير التي كانت تفتقد المسرحية المصرية الخالصة بحفاوة بالغة، تحدث بصراحة وبجرأة عن الواقع المصرى، وجاءت شخصياته من قاع الطبقة الدنيا. اهتم اهتماما كبيرا بالطبقة المطحونة المنسحقة كالعمال والبسطاء، والطبقات المهمشة فى المجتمع المصرى، التى لم يكن أحد يهتم بها أو يشير إليها. ثم قرر عاشور أن يحدث نقلة بالكتابة عن الطبقة المتوسطة فى زعيلة الدوغرىس والطبقة الأرستقراطية فى «الناس اللى فوق» كان يرى أن المسرح حوار حى، ينبغي أن تقدم فوق خشبته كل القضايا الواقعية, رغم أنه كان يكتب مغلفا كتاباته بالشاعرية والرهافة. أصدر نعمان عاشور مسرحياته فى مجلدين عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، المجلد الأول سنة 1974 احتوى مسرحيات: «المغناطيس» و«الناس اللى تحت» و«الناس اللى فوق» و«سيما أونطة» و«جنس الحريم».. والمجلد الثانى سنة 1976 احتوى مسرحيات: «وابور الطحين» و«عائلة الدوغرى» و«ثلاث ليالى» و«بلاد برة». توفى العملاق فى 5 أبريل 1987.. تاركا فراغا هائلا فى لحظة فاصلة فى عمر المسرح المصرى.