تحترق ديارنا فى حروب لا نفهمها. وفى كل حريق دمار للبشر والحجر والكائنات. والدمار يتعدد من الجلد والعظم وحتى الروح والنفس. أراهن, دائما, على تأنيث العالم فالأنوثة خلق وولادة وحياة. عرفت الشاعرة الليبية والكاتبة تهانى الدربى عبر نصوصها ومدونتها. وكم اجتاحنى القلق عليها وعلى من أعرف فى ليبيا, تماما كما أشعر اليوم تجاه معارفى فى سوريا, وأنا أرى الموت والقتل والتفحم على أهبته باسم الثورة أو النظام. سعدت بعد عودتها للفيس بوك بعد غياب طويل, وبكتابها الشعرى, يعربد بك, وقلت الحمد لله مازال الشعر ينسج وجودنا حتى فى ظل إحراق الأضرحة وتدمير الفنون ومحاصرة الثقافة فى العهد الجديد لما بعد الثورات العربية. يعربد بك, أنوثة تحكى وجودها فى عالم مستباح بالفقد والهجر والارتباك الوجودى. تقول: مباحة هى مباحة هى لركلات الفقد. فى الفقد وجود مواز يأخذنا إلى أمس وكائنات نعايشها رغم غيابها ملغين ما يحيطنا ولحظة الوجود القادمة. تقول فى قصيدتها فراش الصمت: كل الكلام محموما على فراش الصمت نام. وهل هناك أقسى فى هذا الوجود من حب يهجرنا أو نهجره؟! ليل تهانى الدربى مسهد ومعذب بتوق صنع خاتمته ولم يتبق منه سوى أشباح الكلام والوجدان. تقول: - هل يتذاكى عليك الحنين فيحملك إلى هنا. شعر أنثى عربية خالصة, تعلمت الوفاء, والانتظار وتمرنت على الفقد والغياب والافتقاد. وهى عاشقة وإن لم تعترف فإن كلماتها تشى بها, عاشقة رغم كل أذى وجرح ونسيان. تقول: - وأنت هناك؟ هل تقرأ خارطة وجهى كأنك فيه؟ لا بد من استجلاب الغائب,عبر التأمل والمعايشة الروحية, لكن لا ضمانة تقول ان الغائب يفكر بنا, اويعى عشقنا وعذابنا, أو أنه يعود ولو بالروح إلى عالمنا. تحاول تهانى الدربى التمرد على نفسها وتوقها وأشباحها ولكن هل تنجح؟ تقول: أن أفكارى لا تنام فى حضن من كان الحاكم بأمرى. يتعدد فقد الشاعرة من الحبيب إلى الأرض وبالنسبة لامرأة حالمة فإن الكوابيس هى أن تفتح عينيها لترى مالم يعد هناك وما جاء مكانه أو بقى جثة خائبة من الأمس. تقول: - لم يترك لنا إلا العتم تغص الآهة فى الدمع. الهزيمة مرة, هزيمة الأنوثة هى هزيمة الحياة. ولذلك فإن تهانى الدربى تغرق فى سطوة ذلك الوجد الحزين بشعور من فارقته الحياة.تستجدى أشباح ذلك الحضور المغادر والناسى وغير المنسى. تقول: - اتركى عن قلبك هذا الوغد فى الختام أوهمها أننى فعلت. ينتابنى شعور أن كتاب تهانى الدربى بكامله رسالة شعرية من عاشقة لم تسل إلى معشوق غادرته المشاعر والذكريات.ألمها خاص ومراوغ وعبر الكلمات يصنع مصيدته الوجودية. تكتب الشاعرة عن طرابلس وعن النوافير وعما يحيطها كمن يحلم وتقول: - تهربين من غيمة يومك إلى الأحلام. الوحدة القاسية,أسيرة الحنين فى شباك الأحلام,تتهاوى النفس فى وجود مواز لا علاقة له بالحاضر: تقول: - أغمضت عينى فطار الجميع من حولى وبقيت أنا. أقرأ نص تعربد بك لتهانى الدربى فألحظ العذاب الأنثوى, والأمومى والغفرانى. أجد نصا يسعف صاحبته فى رصد أشباحها ويحاول مد اليد فى ظلام خاص كى تستعيد الذات أسباب وجودها.حياة تعول على الذكرى وعلى سلامة حس ذلك الغائب. هو كتاب حب مضطر, كتاب تذكر ونسيان. ينقص القصيدة اكتمال النص, وتنوعه.ينقص القصيدة الحضور فالانخطاف يسود النص والأنوثة المعذبة بحاضرها تلتهم كثيرا من سيادة الشاعرة على نصها. غير أن الحب فى حد ذاته وكما هو سبب للوجود, هو أيضا, سبب كاف للكتابة والشعر.