رأينا أن حرية العقيدة دعامة أساسية من دعائم الدين الإسلامي, فالإيمان المتين وعمق اليقين يتطلبان أن يكون الإنسان قد أعمل فكره, وشحذ ذهنه وتأمل في خلق الكون, وفي دلائل القدرة الإلهية, وفي الآيات الدالة علي وجود الله وطلاقة قدرته حتي يكون اعتناقة للإسلام عن قناعة, ومن هنا دعا الله سبحانه وتعالي الناس إلي التفكير والتدبر في خلق الله, وإعمال العقل, قال تعالي قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثني ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد 46( سورة سبأ), ويقول جل شأنه: أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمي وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكفرون8( سورة الروم). وأشار القرآن الكريم إلي تسخير ما في السموات والأرض للإنسان, يقول تعالي وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون 13( سورة الجاثية), ويقول سبحانه: هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون 10 و11( سورة النحل), ويقول عز وجل: لو أنزلنا هذا القرآن علي جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون 21 ( سورة الحشر). ويؤكد الإسلام أن إعمال العقل والتفكير ليس مجرد أمر مباح, وإنما هو التزام علي المسلم, لكي يتدبر بعقله في آيات الله ويقيم إيمانه بدين الله علي أساس من القناعة الكاملة, قال تعالي: قل انظروا ماذا في السموات والأرض101..( سورة يونس) وقال سبحانه: وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون20 و21 ( سورة الذاريات), ويلفت القرآن الكريم العقل البشري إلي مظاهر وآيات القدرة الإلهية التي تقود العقل إلي الإيمان الكامل واليقين الصادق فيقول الله تعالي: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخربين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون 164( سورة البقرة), ويقول سبحانه: أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت وإلي السماء كيف رفعت وإلي الجبال كيف نصبت وإلي الأرض كيف سطحت16 20( سورة الغاشية), ويقول سبحانه: فلينظر الإنسان إلي طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفكهة وأبا متعا لكم ولأنعامكم 24 32 ( سورة عبس), وتذهب سورة الواقعة إلي أبعد الحدود في دعوة العقل البشري إلي التفكير في طلاقة القدرة الإلهية في خلق الإنسان والنبات والماء والنار يقول الله تعالي في محكم آياته: أفرءيتم ما تمنون أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون85 و95( سورة الواقعة), ويقول جل شأنه: أفرءيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلنه حطاما فظلتم تفكهون36 65( سورة الواقعة), ثم يقول سبحانة: أفرءيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلنه أجاجا فلولا تشكرون أفرءيتم النار التي تورون ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جلعانها تذكرة ومتاعا للمقوين فسبح باسم ربك العظيم86 47( سورة الواقعة). وينكر الإسلام علي الإنسان أن يهمل قدرة العقل التي أودعها الله فيه, وألا يستخدم هذه القدرة فيما يوصله إلي حقيقة الخلق, فيقول الله تعالي: أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور 46( سورة الحج). ويرفض الإسلام أن يلغي الإنسان فكره ويطمس بصيرته ليستسلم للدين الذي وجد آباءه عليه قال تعالي: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون 170( سورة البقرة). وقد أكد الرسول صلي الله عليه وسلم ضرورة إعمال الفكر فيما يحقق العدالة وصالح المسلمين, ومما يؤيد ذلك ما روي من أن رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما بعث معاذ بن جبل إلي اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال أقضي بكتاب الله, قال فإن لم تجد في كتاب الله, قال فبسنة رسول الله قال فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ قال اجتهد رأيي ولا آلو فضرب رسول الله صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول الله, لما يرضي رسول الله( سنن أبي داود). وقد كان من آثار استخدام حرية التفكير, فضلا عن صدق وعمق الإيمان بدين الإسلام والفوز بخير الدنيا والآخرة, إن استخدم المسلمون هذا الفكر بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم في مواجهة المشكلات التي ولدها اتساع الدولة الإسلامية ولم يرد فيها نص في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة, فأعملوا فكرهم واجتهدوا في البحث واستنباط الأحكام ووضع الأنظمة التي تحكم هذه المشكلات دون أن تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.