ما كل هذه الضوضاء السياسية والاجتماعية والإعلامية التي تكاد تعصف بحياتنا ومستقبلنا علي جميع الأصعدة؟ ما الذي يكمن وراء الانقسامات الحادة والعنيفة والصاخبة حول الدولة والنظامين السياسي والدستوري؟ أين مصر ومواريثها وخبراتها التاريخية ورمزياتها وإنجازات طلائعها التجديدية منذ مطالع بناء الدولة الحديثة وحتي الآن؟ أين الأمة ومكوناتها وتعددياتها علي اختلافها, في المشاركة في عملية إعادة تجديد الدولة التي يحاول بعضهم التعامل معها, ومع تراثها وتقاليدها وقواعد عملها علي أنها نسيا منسيا, ويحاولون التعامل معها علي أنها بمثابة ركام من الشظايا, يحتاج إلي تجريف شامل, والبدء ببناء دولة أخري علي طريقة التجربة والخطأ؟ هل يمكن تأسيس دولة بعيدا عن تاريخها وتقاليدها علي نحو ما يرغب ويصخب بعضهم؟ ما الذي يكمن وراء هذا الغموض والركاكة في بعض الخطابات السياسية والأطروحات التي تخص الدولة ومؤسساتها؟ هل يمكن وضع دساتير وفق قاعدة الغالب والمغلوب في المعارك الانتخابية؟ وهل يمكن أن يضع الدستور نوابا في برلمان مطعون في دستورية القانون الذي جاء بهم إلي السلطة التشريعية؟ هل وضعت الأغلبيات السياسية في البرلمانات الدساتير في الأنظمة الدستورية والسياسية المقارنة؟ أم أن المؤسسات السيادية, لا تخضع لمفهوم الغلبة والاستحواذ, ومن ثم تعتمد علي معايير للاختيار تعتمد علي الكفاءة والموهبة والعمل وفق القواعد الدستورية العامة في المساواة بين المواطنين, وعدم التمييز, ومن ثم تخضع للقيم الجمهورية في اختياراتها وأساليب عملها, وليس لقاعدة الأغلبية والأقلية والانحياز السياسي؟ هل تؤدي ظاهرة ضغوط كل مهنة أو جماعة في وضع قانونها الحاكم لعملها إلي المساعدة علي تجديد الدولة وأجهزتها وأطرها القانونية والإدارية؟ أم أن هذا التضاغط في مرحلة الانتقال يؤدي إلي توليد بؤر شبه مستقلة في إطار نظام سياسي ودستوري يتسم بالضعف والتشتت الذي يؤدي إلي استمرارية ظواهر عدم الاستقرار السياسي والإداري ومن ثم الاقتصادي والاجتماعي؟ ألا يؤدي ذلك إلي خلق شبه دويلات صغيرة داخل تركيبة الدولة/ الأمة؟ ألا يؤثر ذلك علي التجانس البنيوي في تركيبة الدولة, والأخطر علي تجانسها القومي التاريخي؟ أين معاني وتاريخ الدولة المركزية وثقافتها في بعض الخطابات السياسية, ومن بعض نشطاء المنظمات الطوعية في المجال الدفاعي الذين يتصورون أن الديمقراطية والنظام المأمول الذي ننشده جميعا, لابد أن يعتمد علي تفكيك الدولة المركزية بمقولة تنشيط اللا مركزية؟ هل الدولة المركزية الديمقراطية تتناقض مع تنشيط أجهزة الحكم المحلي الشعبي, وكذلك السياسات القطاعية والمناطقية للمحافظات؟ من قال ان الدولة اليعقوبية أو الدولة المركزية المصرية تتناقض مع مقرطة العمل اللا مركزي في المحافظات والمدن والقري بما لا يهدم الدولة المركزية؟ هل عقود التسلطية والتجريف السياسي للنخب الجديدة أدت إلي تدهور مستويات التكوين والتدريب السياسي فقط أم أنها أدت إلي تآكل مفاهيم وثقافة الدولة, وإلي شخصنة السلطة والسياسة وتحولها إلي سياسة المحاسيب والأزلام والغنائم؟ هل ضعف بعض مستويات الثقافة السياسية والخبرة لدي بعض أعضاء البرلمان الحالي تعوق التطور الديمقراطي المأمول للبلاد؟ أما أننا إزاء تدريب سياسي يحتاج إلي تسامح ما ووقت حتي يمكن الارتقاء بالعمل السياسي عموما والبرلماني علي وجه الخصوص؟ لماذا لا يشكل كل حزب من الأحزاب السياسية مركز بحث وتدريب لأعضائه في البرلمان وفي تركيبة عضويته حتي يمكن تطوير العمل السياسي الديمقراطي القائم علي المشاركة السياسية الفعالة؟ هل يستمر البرلمان مجلس الشعب أساسا في الصياح السياسي لغالب الأعضاء الجدد80% من حجم عضوية البرلمان الجديد بحيث يخاطبون الإعلام والشارع بديلا عن أداء أدوارهم الرقابية والتشريعية؟ لماذا يخلط غالب أعضاء البرلمان بين حدود السلطة التشريعية وغيرها من السلطات الأخري التنفيذية والقضائية-, ومن ثم ينتهكون مبدأ الفصل بين السلطات في إطار التعاون بينهم منذ افتتاح الدورة البرلمانية وحتي هذه اللحظة؟ هل تؤدي الضوضاء السياسية, والصخب اللفظي السائد إلي فقدان الأمة وبعض نخبها الأمل في الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي أم يؤدي إلي مزيد من الاضطرابات والضغوط والخضوع لسياسات أمريكية وإسرائيلية وعربية نفطية؟هل يستمر اللغو السياسي واللفظي حول قضايا موهومة مثل تحديد مكونات الهوية المصرية علي تنوعها الثري أم يحاول بعضهم من خلال خطاب الهوية الأحادي إلي تعبئة سياسية دينية تؤدي إلي المزيد من الانقسامات الحادة, وكسر الموحدات الوطنية الكبري؟لماذا لا يقبل بعضهم أن الانتخابات العامة هي أحد تعبيرات الإرادة العامة للأمة, ولابد من احترامها أيا كان الرأي أو الاختلاف السياسي؟ لماذا لا نحترم ثقافة الاختلاف بما هي قيم وسلوكيات وأساليب عمل كمدخل للتعددية والثراء السياسي والخبراتي والفكري؟ لماذا؟ المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح