كاتب المسرح الموهوب يقرأ ما يسميه رجال الإدارة الاشارات الناعمة أى يشعر بمواطن الخطر التى تهدد المجتمع والتى لا يحس بها غيره ويخلق منها عملا فنيا يجمع الناس ويفيدهم. والكاتب المسرحى الدكتور جمال عبدالمقصود من أبرز الأمثلة على قراءة المجتمع ورؤية ما يغلى تحت السطح والتنبؤ ببعض الأحداث المحتملة. فى مسرحيته عالم بغبغانات، التى لعب بطولتها كل من الراحل محمد ابوالحسن والنجوم سعيد عبدالغنى وبسام رجب وعلا رامى قدم نموذج السياسى الحزبى الذى يتغنى شعارات براقة ويتصرف عكسها تماما ومن أجل تحقيق مصالحه يقرر أن السرقة ممكن أن تكون فضيلة ويبرر جريمته بأن اللحظة هى التى تخلق البطل!! وتكشف أن كل العبارات الرنانة والحديث عن مكارم الاخلاق والفضيلة وقت التطبيق العملى تتحول الى انتهازية وعنف وشر لا يتوقف ويكاد يكون السياسى الخلوق شكلا فقط هو نفس النموذج الذى أقبلت عليه الجماهير فى مصر عقب ثورة 52 يناير ثم انكشفت حقيقته بعد عام من حكم الجماعة الإرهابية وأدى إلى مظاهرات حاشدة لم يشهد العالم كله مثيلا لها وقد لخص جمال عبدالمقصود هذه الشخصية فى تعبير بسيط وساخر عندما يقرر أن حامل الشعارات الكاذبة كالببغاء لا يعنى ما يردد حتى وان كان صوته عاليا وريشه لامع وبراق. وقضية أخرى مهمة تنبأ بها الدكتور جمال عبدالمقصود فى مسرحيته عالم كورة كورة وهى استفحال العنف الكروى إلى درجة حدوث مذابح فى المدرجات والخوف من وجود الجماهير والتعصب الأعمى بين النجمين سامح الصريطى ومجدى إمام اللذين يمثلان زعامات مدرجات الأهلى والزمالك وذلك قبل أن نرى تنظيمات فعلية لروابط مشجعى الفرق المصرية وقبل أن نرى بعض الأحداث المؤلمة فى مدرجات الكرة وقبل أن نرى الصورة الكاريكاتورية لالقاء سامح الصريطى من المدرجات واقعا مريرا يدمى قلوب المصريين فى كل مكان . وما أشبه ذلك الكاتب المبدع بزرقاء اليمامة فى تراثنا العربى التى كانت حادة البصر ترى على بعد مسيرة ثلاث ليال وان كان كاتب المسرح المنشغل بقضايا مجتمعه يستطيع أن يرى بعض ما سيجيء فى عشرات السنين القادمة.