ما الذى ينتظر منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ومصر فى القلب منهما، خلال الدورة 45 من المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس؟ الإجابة على هذا التساؤل تعتمد على ما الذى يمكن أن تنتزعه هذه الدول من مكاسب خلال مشاركة قادتها فى أعمال المنتدي، الذى يشارك فيه معظم قادة العالم، بالإضافة إلى كبار رجال الأعمال والشركات. وخلال العام الحالي، يناقش دافوس «السياق العالمى الجديد»، الذى يعتبر العنوان العريض الذى تدور حوله فكرة المنتدي، والتى تهدف فى الأساس إلى أن تعكس فترة من التغيير السياسى والاقتصادى والاجتماعى والتكنولوجى يشهدها العالم منذ فترة، والتى يمكن أن تنهى عصر الاندماج الاقتصادى والمشاركة الدولية التى بدأت فى عام 1989. ومن المعروف أنه فى هذه المنتدى تحاول القوى الكبرى فرض أجنداتها الخاصة على المشاركين خاصة على الدول الأخري، وخصوصا التى تشكل مركزا للصراع. ومن المتوقع أن يكون الصوت العالى خلال أعمال «دافوس» هذا العام للولايات المتحدة، خاصة بعد النمو الذى شهده اقتصادها لأول مرة منذ حوالى 10 سنوات، وإرهاصات انتعاشها وخروجها من سلبيات الركود العالمى الذى ضرب العالم فى 2008. وعلى الرغم من أن التحديات التى يشهدها العالم ما زالت تراوح مكانها، من الإرهاب إلى الصراعات الإقليمية إلى الركود الذى ضرب بعض الاقتصاديات الكبرى وفى مقدمتها روسيا واليابان وألمانيا إلى وباء «إيبولا».. وغيرها من التحديات، فإن هناك بعض الجوانب الإيجابية والمضيئة أو الأسباب التى تدعو للتفاؤل النسبي، والتى يمكن أن تستفيد منها مصر ودول الشرق الأوسط وأفريقيا. - الجانب الأول، أن المنتدى الذى يرسم السياسات العالمية، ويجمع قادة العالم بين أروقته وجلساته، يعترف بوجود سياق عالمى جديد، وهذا ما يمكن لمصر ومحيطها العربى والأفريقى الاستفادة منه، عبر عرض الأجندات السياسية والاقتصادية، والتحديات، وآفاق الحل لكل دولة على حدة، فهذه الدول فاعلة فى السياق الجديد، ويجب أن ترفض أن تظل على الهامش. - الجانب الثاني، وفيما يخص مصر، أنها تمكنت من السير على الطريق الصحيح، وقاربت من الانتهاء من استحقاقات خريطة الطريق التى أعلنتها ثورة 30 يونيو، وبالتالى فإن الصورة الكاملة ل»مصر الثورة» يجب أن تكون حاضرة أمام أعين الجميع فى دافوس. ومن هنا، فإن المنتدى فرصة لتوضيح الحقائق السياسية، وشرح النهج الجديد فى التعامل مع القضايا الملحة، التى لا تواجه مصر فقط بل العالم أجمع، وفى مقدمة هذه القضايا الإرهاب، خاصة بعد الهجمات التى تعرضت لها فرنسا خلال يناير الحالي. - الجانب الثالث، جذب الاستثمارات، وذلك بعد التقرير الإيجابى الذى نشره البنك الدولى حول توقع استقرار الأوضاع الاقتصادية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد ذكر التقرير أنه بعد سنوات من الاضطرابات، ستشهد بعض اقتصادات المنطقة نوعا من الاستقرار، وتوقع أن تشهد نموا تدريجيا يصل إلى 3,5% خلال عام 2017، بعد أن كانت 1,2% فقط خلال 2014. - الجانب الرابع، والذى يمكن لهذه الدول الاستفادة منه بشكل ما، بل واستغلاله لصالحها، أن السياسة سوف تطغى على الاقتصاد لأول مرة منذ سنوات طويلة، حيث القضايا الجيوسياسية تعتبر التهديد الأكبر خلال القرن الحالي، وهى التحدى الرئيسى الذى يشغل بال منظمى المؤتمر. وهذا المعنى هو الذى شدد عليه البروفيسور كلاوس شفاب مؤسس منتدى «دافوس» عندما قال إن العالم يقبع حاليا «فى وضع حرج عند مفترق طرق، وأنه لا يوجد سوى حلين أو طريقين للخروج : طريقان ينفتحان أمامنا، طريق التفكك والحقد والأصولية، وطريق التضامن». وبالتالي، فإن القوى الكبرى يجب أن تختار الانحياز إلى دول المنطقة فى هذه اللحظة المفصلية التى يشهد فيها العالم استمرارا لموجات مد الإرهاب العالمي، ومن الضرورى البحث عن أرضية مشتركة للتعاون وبناء الثقة فى منطقة تشهد تهديدات لا حصر لها. - الجانب الخامس، محاولة الاستفادة من المحاور التى تدور حول دول المنطقة مثل «السياق العالمى العربي» التى ستناقش زيادة البطالة بين الشباب وتصاعد التوترات الاجتماعية، وكذلك «تنفيذ أجندة نمو أفريقيا»، والتى ستدور حول تأثير انخفاض أسعار البترول»، هذه المحاور يجب أن تستفيد منها دول المنطقة بشكل إيجابي، عبر وضع أجندة لبحث ما سيتم إنجازه من وعود، وتعهدات من قبل الدول الغنية. - الجانب السادس والأخير، يتمثل فى الاستفادة من التجارب التنموية والاقتصادية لدول مرت بمراحل انتقال وتحول سياسى واجتماعى مثل الدول الآسيوية، فهذه الدول تمكنت من الاستثمار فى رأس المال البشري، ونجحت من خلال مواردها البشرية واتباع سياسات اقتصادية أثبتت نجاحها، ومكنت هذه الدول من القفز إلى مصاف كبريات الاقتصاديات العالمية، وتمكنت دول شرق آسيا من استغلال الانقسام الديموجرافى لدفع الاقتصاد فى وقت قياسي، مما ساهم فى نمو دخل الفرد إلى أكثر من 6% فى الفترة ما بين 1965 و1995. ووسط التوقعات الاقتصادية الكبرى لمنطقة جنوب الصحراء الأفريقية، وفى حالة الاستفادة من خبرة شرق آسيا، وتطبيقها على السياق المحلى وتمكنها من استغلال الثروة البشرية، فإن المنطقة ستشهد معجزة اقتصادية على طريقتها، وتتمكن من إضافة 500 مليار دولار فى اقتصادياتها سنويا خلال 30 عاما. وفى النهاية، فإن الشباب «كلمة السر» فى المعجزة الاقتصادية التى شهدتها تلك الدول، وكما أكد جيم يونج كيم رئيس البنك الدولي، فإن الدول النامية تحتاج إلى توظيف مواردها بطريقة رشيدة لدعم البرامج الاجتماعية، مع التركيز بشكل مكثف على الفقراء، وكذلك تنفيذ إصلاحات هيكلية من خلال الاستثمار فى الثروة البشرية. وربما تكون هذه الجوانب جزءا من كل، لكن يجب ألا تسمح دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسياسة الإملاءات، خاصة مع عودة الاقتصاد الأمريكى بقوة، بل أن تكون لديها أجندة لمحاسبة دافوس فى 2016 على ما تم إنجازه وما تم الوفاء به من وعود خلال منتدى 2015.