المهمة الدبلوماسية أصبحت ذات أبعاد متعددة لا تقتصر على الجانب السياسى من العلاقات بين الدول، فقد أصبح دور الدبلوماسى يتجاوز بكثير تنظيم الاتصالات الرسمية وإجراء المفاوضات السياسية لدولته مع الدولة المعتمد لديها، ليشمل هذا الدور جوانب ثقافية واجتماعية وإعلامية وإنسانية بوجه عام. لذلك.. فإنه من الصعب تصور نجاح الموظف الدبلوماسى المعتمد فaدولة مهمة دون أن ترافقه عائلته، وتضطلع بدور معه فى أداء أدواره المتعددة. فى الوقت نفسه، فإن سلوك أفراد عائلة الدبلوماسى محسوبه عليه وعلى البعثة وعلى صورة بلاده فى المجتمع الذى يقيم فيه.. هذا الواقع يفرض عليه وعلى أسرته العديد من الضوابط فى مقدمتها ضرورة الإقامة فى أماكن راقية ولائقة، وإلحاق أولاده فى مدارس ومؤسسات تعليمية ذات مستوى رفيع.. مع التزام أفراد أسرته كالزوجة والأبناء وكذلك العاملون والسائقون لديه فى المنزل بالكثير من الضوابط فى السلوك العام لهم سواء فى تعاملهم مع الآخرين، أو خلال حياتهم الاجتماعية بالبيع والشراء والانتقال وغير ذلك.. فلا يليق مثلاً أن يعيش الدبلوماسى مديناً بأقساط وسلف من محلات وأفراد من الدولة المعتمد لديها.. أو يدخل فى علاقات تجارية من أى نوع خارج نطاق عمله.. وليس مقبولاً أن يتم مشاهدة زوجة الدبلوماسى تساوم (تفاصل) فى شراء سلعة من محل فى منطقة متواضعة.. فهذا يسئ لصورة بلادها. بالإضافة إلى ما تقدم، فإن المظهر العام ونوعية العلاقات الاجتماعية التى يقيمها الدبلوماسى وأسرته يجب أن تلتزم بمستوى اجتماعى معين، ومن خلال تواصل راقٍ بعلية القوم فى المجتمع المعتمد لديه.. والحقيقة أن هذا ليس القيد الوحيد الذى تتحمله أسرة الدبلوماسي، فحياتهم بكاملها تخضع لحساسيات وحسابات تفرضها طبيعة المهمة الدبلوماسية ونظرة المجتمع إليهم كتجسيد لثقافة وسلوك شعب بكامله إضافة إلى القيود التى تفرضها الاعتبارات الأمنية. وبالإضافة إلى كل ذلك فإن أسرة الدبلوماسى خصوصاً الأبناء يتحملون تضحيات أخرى من أجل مهنة والدهم، أبرزها تكرار انتقالهم بين مجتمعات مختلفة الثقافات والمناخات.. فهذا الحل والترحال الذى يبدو للكبار نوعاً من الاستمتاع بتنوع الثقافات والعادات والمجتمعات، إنما يسبب مشاكل كبيرة للأبناء الذين ينتقلون بين عدة مجتمعات خلال فترة طفولتهم ومدارس مختلفة فى بلدان عديدة.. فما أن يتكيف الطفل أو الفتى مع بيئته ويبدأ فى تكوين صداقات مع زملائه حتى يفاجأ بالرحيل إلى بلد آخر مختلف تماماً ومدرسة جديدة وعادات جديدة. ويدرك العاملون فى المجال الدبلوماسى مشقة هذا الترحال الدائم وتأثيره على نفسية وتعليم الأولاد وربما كان هذا أكبر ضريبة تدفعها الأسرة ثمناً لمهنة رب الأسرة.. ولكن الشئ الوحيد الذى يخفف كل ذلك دائماً أنهم فى مهمة وطنية كسائر المهن التى تفرض تضحيات على شاغليها وأسرهم.