الخطاب الإسلامي الصحيح له مقوماته السامية وآثاره العميقة في النفوس ومكانته الراسخة في القلوب ومنزلته التي تهز المشاعر وتحرك العواطف نحو الخير متى كان مستمدًّا من القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا اتصف بالجمود فإنه يصبح خطابًا باليًا لا فائدة مرجوة منه، مما يتطلب صقله وإعادة صياغته في إطار يتناسب مع الزمان والمكان والأحوال والأشخاص مثله مثل الفتوى تمامًا. والذي نعنيه بتجديد الخطاب الديني ليس المقصود منه العدوان على مبادئ وقيم هي من صلب العقيدة الإسلامية الثابتة أو ثوابت الدين، إنما نتحدث عن الأدوات والآليات التي تعمل بشكل منضبط ووفق ضوابط معينة لكي نستطيع من خلالها الوصول إلى خطاب ديني رشيد. لذلك نرى أن التجديد الذي نذهب إليه ونقصده هنا هو ذلك التجديد الذي جاء انطلاقًا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»؛ فقد ذهب العلماء إلى أن المقصود بالتجديد هنا هو تعليم الناس دينهم، وتعليمهم السنن، ونفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خلال تمييز الصحيح من الضعيف من أحاديثه، والقضاء على البدع وإحياء السنن، وعليه فالمقصود بالتجديد في الخطاب الديني هو تجديد الفهم الديني، ذلك الفهم الذي أنتجه العقل الإنساني على مدار عقود من الزمان من خلال قراءته وفهمه وتأويله وتفسيره للنصوص الدينية، وليس المقصود منه النيل من الثوابت أو تجديد هذه النصوص بالحذف أو الإضافة أو التغيير أو ما شابه ذلك. وقبل الشروع في بيان التجديد وأهميته وما يعود منه على الأمة الإسلامية بل على العالم كله لا بد من التوقف عند نقطة مهمة وهي بيان الفرق بين الإصلاح والتجديد، فالإصلاح يفترض نقصًا ما في الواقع، وقد يصل هذا النقص إلى درجة الخلل وهذا يستلزم شيئًا من الهدم وإعادة البناء، ولذلك فإن الإصلاح يقتضي أيضًا عدم التسليم بالموروث واعتبار أن خطأً ما قد وقع عند السابقين فهمًا أو تطبيقًا أو هما معًا، وهذا هو المبرر والمصوغ لعملية الهدم والشروع في بناء جديد ينهي النقص القائم، لذا فهذا الأمر بعيد عن المقصد المرجو في الخطاب الديني. لكن تجديد الخطاب الديني الذي نقصد يتمثل في عملية إضافة جديدة لا تكر على القديم بالهدم أو البطلان بل تُضيف الجديد الذي يحتاجه العصر. هذا يقودنا إلى بيان حدود التجديد المشروع، هذه الحدود يأتي في مقدمتها نشر العلم بين أبناء الأمة، وبيان صحيح الدين خاصة في ظل التأويل الفاسد الذي أضاع كثيرًا من دلالات النصوص، وتكون وظيفة التجديد هنا هي إعادة بيان دلالات تلك النصوص وإزالة الفاسد منها والتي كانت نتيجة جهل خيم على كثير من الأمة في وقت من الزمن. والوظيفة الأخرى للتجديد تتمثل في إزالة ما علق بالدين من أخطاء كانت نتيجة اجتهاد خاطئ من قبل البعض، انعكس في سلوك الناس، وفي أقوالهم وعقائدهم، ثم تأتي الوظيفة الأخيرة أو الحد الأخير للتجديد والتي تكون في التمسك بما جاء به الشرع الشريف، والتقيد به والعمل عليه. وقد امتدحت الشريعة الإسلامية التجديد؛ بحيث إن نصوص الشرع الشريف نفسها تؤكد ذلك المعنى. إذًا فالخطاب الديني أو ما نقصد به تجديد الخطاب الديني الذي نأمل إذا اشتمل على الوصايا العشر في قول الله تعالى: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»، يكون خطابًا له آثاره الطيبة، وله ثماره الحسنة التي تجعل أبناء الأمة يصلحون ولا يفسدون، ويبنون ولا يهدمون، ويجمعون ولا يفرقون، ويتعاونون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. ومن أهم المشكلات المزمنة التى تواجه الخطاب الدينى مشكلة الغلو والتطرف، التى استشرت وانتشرت فى معظم البلاد وظهرت آثارها الوخيمة على الأمة فى الفترة الماضية، والتى كانت نتيجة لعوامل اجتماعية وسياسية وثقافية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها فى رصد أسباب الظاهرة ومحاولة علاجها، وهذه الظاهرة نشأت نتيجة تصدر أناس من غير المتخصصين فى علوم الشريعة، ونتيجة لعدم فهمهم الجيد والحقيقى والمتكامل للدين؛ تسارعت وتيرة الفتاوى الشاذة غير المنضبطة وأحدثت حالة من السيولة فى فتاوى التكفير التى نالت- ولا تزال- من المجتمعات الإسلامية. إن الخطاب الدينى تواجهه العديد من التحديات فى الوقت الراهن، تحتم عليه ضرورة التصدى لها ومواجهتها، وتفرض عليه ضرورة النظر فى تحديث آلياته وأدواته وأساليبه التقليدية وإيجاد آليات جديدة تواكب التقدم التقنى والعلمى والتكنولوجى، وضرورة إيجاد فهم منضبط للتعامل مع الأفكار التى يستغلها الأعداء لتدمير شباب الأمة الإسلامية وزعزعة قيمهم ومبادئهم. لمزيد من مقالات د شوقى علام