النور والفراشة عنوان لمسيرة الشاعر والكاتب الألماني جوته يوهيان فلفجانج,وكتابه الديوان الشرقي.إنها رحلة شاعر ألماني عظيم مع التجليات الشرقية النورانية والمستمدة من ثقافات الشرق العظيم,العربية والفارسية والهندية.إنها الطريق في مسلك الروح ,وأين مولدها إن لم يكن هذا الشرق المتشابك الجذور والجذوع والفروع. قدم للكتاب الدكتور عبدالغفار مكاوي,الباحث والمترجم الدءوب,الذي أنجز تقديم الكثير من التراجم والدراسات الأدبية للعالم العربي. تلبس حاتم الطائي روح الألماني جوته ,وتلبست زليخة روح محبوبته.كتب,كأنه مسلم,كأنه عربي,كأنه فارسي.إستحضر زهير بن أبى سلمى وإمرؤ القيس وحافظ وسعدي الشيرازي وقيس ليلى.عاش ألف ليلة وليلة وإستشهد بآيات من القرآن الكريم.إرتحل كصوفي ودرويش,وكبدوي على ظهر راحلته فى بيداء العرب.ترجم لغات الشرق وروحه إلى لغته الألمانية وشعره وكتابته وحياته.تضوعت أنفاسه بالطيب والمسك والعنبر,وتحنت يداه بالزعفران والحناء ووضوء الصلاة. أشرقت شمس الشرق فى قلبه,ومعها الحب,والفضيلة,والشجاعة,والفروسية,والتصوف والزهد. أسلم جوته أمره لمشيئة الله,وبذلك كان مسلما حقا من ذوى دين الفطرة الذي عرفه النبي إبراهيم مبكرا. يقول: لله المشرق لله المغرب الأرض شمالا والأرض جنوبا تسكن آمنة مابين يديه. ويقول:إذا كان الإسلام معناه أن لله التسليم فإننا أجمعين ,نحيا ونموت مسلمين. أعلن جوته عن الديوان الشرقي للمؤلف الغربي في عام1816 ميلادي ,كانت أول قصائد ألمانية تتصل إتصالا مستمرا بالشرق.وقد كتبه في زمن كانت ألمانيا تكافح ضد سطوة نابليون وطغيانه.ولا بد أنه كان لإيقاع قصائده باللغة الألمانية الوقع البليغ,والفصيح.وقد تكون الترجمة أضرت قليلا بها,فاللغة لا تبدو قوية بما يكفي وهى تنقل روح الشرق الشعرية التى إستوحاها إلى الشرق واللغة العربية من جديد.ورغم ذلك فإن المعنى يصل,وكذلك كل ذلك الحب العميق والإجلال للغات الشرق وشعرائه وأراضيه وحضاراته. يقول جوته:ومهما حدث فالروح لا تتناثر كالغبار لأنها فى أعمق أعماقها ترتفع إلى السماء. قسم جوته الديوان الشرقي للشاعر الغربي على عدد من الكتب تضمنت:كتاب حافظ,كتاب الفردوس,كتاب تيمور,كتاب زليخا,كتاب الساقي,وغيرها.يتحاور جوته مع الشاعر حافظ ويتناص معه ومع زمنه ومفاهيمه.وفى كتاب العشق روى قصص العشاق يوسف وزليخا ,فرهاد وشيرين,ليلىوالمجنون,جميل وبثينة,سليمان وبلقيس.خلط كل ذلك بعشقه لمن أسماها زليخة. وفي كتاب الحكم يعود غلى الوعاظ والزهاد ويقول: لا تطلب من هذا اليوم ولا تسأل من هذا الليل إلا ما جلب لك نهار الأمس وليل الأمس. وعن الحب المستحيل وروح بني عذرة يكتب جوته فى كتابه زليخا عن حبيبته: وقبل أن يشاء اه ت, أن يوحد بيننا من جديد, لن تمنحني الشمس والقمر والعالم إلا فرصة البكاء. الديوان الشرقي لجوته هو إقتراب ومحاولة إمتزاج مابين الغرب والشرق.حالة مبكرة لحوار الثقافات سبقت كل هذا التنظير الأجوف وغير المجدي الذى نخضع له اليوم حول حوار الحضارات. سنجد فى النور والفراشة,فراشة روح الشاعر الألمانى تقترب من نور الشرق ولا تحترق بل تضىء بقبس من نور. الإنسان هو الإنسان في سؤاله وضياعه وبحثه وبإستعانته بالمولى الكريم.