لنكن واقعيين! هل يمكن لمدخن- أدمن التدخين حتى لم يعد يهنأ بلقمة، أو بشفطة شاى، أو برشفة قهوة، دون السيجارة- أن يقلع عن التدخين هكذا فجأة، وفى لحظة واحدة، دونما تدرج؟ طبعا لا يمكن.. واسألوا عتاة المدخنين، الذين كم حاولوا مرارا وتكرارا.. لكنهم فشلوا.. فكذلك الأمر مع الفساد! إن الفساد والتدخين شقيقان توءم، وكلاهما يشبه الآخر. ولنسأل أنفسنا هذا السؤال: ألا يمكن للدولة أن تصبح الصبح فتصدر فرمانا صارما حازما قاطعا كالسيف، بمنع الناس جميعا عن التدخين؟ ألا يمكنها أن تحمل حملة رجل واحد على مصانع السجائر فتهدمها، وعلى أكشاك البيع فتغلقها، وعلى مخازن الطباق فتحرقها.. دون أن يغمض لها جفن.. ومن ثم يستيقظ المدخنون المساكين فلا يجدون بالأسواق سيجارة واحدة تبلّ الريق؟ ألا يمكنها ذلك (وأبو ذلك)؟.. أليست الدولة هى القادرة على كل شىء.. وحتى عبور البحر فلا تبتل- كالعجل فى بطن أمه؟ أليست هى التى تملك الجيش والبوليس والإعلام وصحف الحكومة.. فلماذا لا تستعرض الدولة عضلاتها المنتفخة تلك فتمنع التدخين؟ ببساطة.. لأنها لا تستطيع.. وكذلك الأمر مع الفساد! .. وعلى فكرة.. نحن هنا لا نتحدث عن الدولة المصرية وحدها.. بل عن الدول فى كل زمان ومكان.. بما فيها الدول العظمى- كأمريكا والاتحاد السوفيتى،. الذى اختفى غير مأسوف عليه، وبقيت السجائر! إن السجائر والفساد إدمان أصيل، يجرى فى عروقنا مجرى الدم، فإن حاولت منعه بغتة، وبخبطة واحدة من غير إنذار، توقف جريان الدم فينا! أنت لا تصدق؟ إذن فاسأل ملايين المدخنين الذين كم حاولوا هجر التدخين فما أفلحوا.. وكذلك فاسأل ملايين الفاسدين الذين حاولوا التوبة عن الفساد.. فباءت كل محاولاتهم بالفشل.. فلماذا فشل هؤلاء وهؤلاء؟ ببساطة؛ لأننا لو بطّلنا نفسد نموت. ألا يفتح الفساد بيوتا ما كان لها أن تفتح بدونه.. ويطعم بطونا ما كان لها أن تطعم لو أنه اختفى؟!.. خليكوا واقعيين! تريد أن تقول يعنى إنه ما فيش فايدة.. وينبغى أن نقطع الأمل فى إمكانية نجاح جهود مكافحة الفساد كما قطع المدخنون الأمل فى تبطيل التدخين؟ لا يا سيدى.. لم نقل هذا.. وما كان لنا أن نقول.. فقط نريد القول إن مكافحة الفساد تتم واحدة واحدة.. يا واش يا واش. وخذ من التل يختل.. وبدلا من 30 سيجارة فى اليوم لنجعلها 25 ثم عشرين، ثم عشرا.. إلى أن نصل إلى تدخين خمس سجائر فقط.. وكذلك الأمر مع الفساد! الذى يتخيل أن الرئيس عبد الفتاح السيسى قادر على أن يصحو الصبح، فيصلى الفجر، ويخرج على الناس، فيصدر قرارا بتارا كالسيف، يوقف به الفساد بطعنة واحدة.. هو واهم حالم رومانسى.. ومن الأفضل تذكيره، وتذكير أنفسنا، ببيت الشعر الذى قاله شوقى :«داويت متئدا/ ودووا طفرة/ وأخف من بعض الدواء الداء» .. لأننا هنا بإزاء دولة استشرى الفساد فى أوصالها منذ آلاف السنين حتى تيبست الشرايين.. وما فنيت العناقيد(على رأى المتنبى!). طيب نعمل إيه يعنى؟ نتدرج.. ولنبدأ من الثقافة. هيا نبدأ بمكافحة ثقافة الفساد.. ولنفعل كما فعل الغرب مع المدخنين. لقد أخذوهم على الهادى؛ فمنعوا إعلانات السجائر من السينما والتليفزيون والصحف، ثم حرّموا التدخين فى المؤسسات والمواصلات العامة.. ثم فرضوا ضرائب باهظة على شركات إنتاج السجائر، وعلى أسعارها.. ومن ثم بات المدخن منبوذا معزولا غير مرغوب فيه.. وكذلك الأمر مع الفساد! فقط يبقى تنبيه واحد؛ إن الطبيب لا يلجأ إلى منع مريضه من التدخين فجأة ومرة واحدة إلا إذا كان المريض- لا قدر الله- موشكا على الموت.. فهل بلغ الفساد فينا درجة تهدد حياتنا وأوشكنا على الموت؟ لا.. والحمد لله.. فمازلنا- رغم الفساد- نأكل ونشرب ونتنفس ونكتب عن الفساد.. يعنى«لسّه بدرى».. وقليل من الفساد يفيد المعدة أحيانا.. بشرط ألا يسرطنها! لمزيد من مقالات سمير الشحات