لم يعد خافيا على أحد الدور الخطير الذى أصبح يلعبه الإعلام فى هذا الوقت بالذات، والذى يبدو فيه العالم قرية صغيرة، تهيمن فيها القلة على الكثرة، وتستغل المجال الإعلامى بقوة لترويج طروحاتها داخل صفوف الكثرة. مستوى التقدم العلمى فتح آفاق المعرفة وأضحت الساحة العربية والعالمية تزخر بكل جديد. بكبسة زر تفتح نافدة على العالم بخيره وشره، وكلما بلغ العالم مصاف جديدة تطور الأداء وأضحت الصورة أكثر جاذبية وشدت الأنظار، فيما سبق كان هناك شح ظاهر للأخبار، إلا ما بلغنا من حقائق بعد عقود من وقوعها، واليوم مع التقنيات الحديثة انفتح العالم عن اعلام سمعى بصرى يتحدث بلغات شتى يبلغك الخبر لحظة وقوعه، وتنهال عليك التحليلات من هنا وهناك، وتتناول كل الاتجاهات على اختلاف مشاربها وأطيافها. بل فرخ العالم قنوات بلا عدد أو حصر حتى شتت الانتباه، يقدم الصورة والتحليل وبذلك يشكل وعيك ورأيك بعدها. المواطن العادى تنال منه الصورة المزيفة وقد يصدقها. فهناك إعلام غير نزيه فى نقل الأخبار، يشوه الصورة أو ينقلها ناقصة أو لا يحللها بحيادية يعطى انطباعا للخارج بأن هناك دولا على حافة الانهيار أو شارفت على الانهيار، وقد يكون الواقع غير هذا، بمغلوطاته التى يُسربها من أجل تأجيج الوضع وشحن الأهداف التى يناشد بها، وإعلام آخر يعطى انطباعا أن دولة ما تشهد ثورة، وكأن الأمور تسير سيرا طبيعيا فى تزييف للصورة مما يزيد من انقسام الأمة. الاعلام خلق لنا شخصيات كانت بمنزلة القدوة، لكن بعد انكشاف الحقائق تبين لنا مدى تزييف هذه القدوة، وعندما يسلط الضوء على مثل هكذا قدوة تتشكل أنماط مستهترة بعيدة عن الهم الحقيقى لأمتها وتهدر الوقت فى غير محله ولن تخدم مجتمعها مستقبلا. الإعلام يلعب دورا خطيرا فى حالة إن كان سلبيا. فقد يقتل فى النفس الهمة للنهوض بالأمة أو يخلق جيلا خانعا فاشلا لا يميز بين الغث والسمين، فإن لم تكن محصنا بتربية أهّلتك لتميز بين الحق والباطل فقد يجرفك التيار وتتأثر بما يعرض دون أن تحلل بعمق ما تقدمه لك تلك القنوات وما يعرض عليك بعيدا عما تسوق له قائلا أو سائلا: ماذا نقول فى وسائل الإعلام الحديثة المنتشرة فى عالمنا العربي، وتوظف لها الدول إمكانات هائلة أم يُعَد ذلك تخلفاً؟ نعم امتلكنا كل شيء واستجلبنا أحدث ما توصل إليه العلم. إلا أن الشعوب مازال بعضها يخوض فى مستنقع الجهل الفكرى والعقدي، وبالتالى أصبح الإعلام كالنبت الذى لم يؤت أكله رغم استصلاح الأرض. الإعلام الهادف فى الدول النامية بتخلفها الإدراكى والسياسى لا يتوقع له التقدم، لأنه ينقل ما يستعيره بنسب عالية، وجوهر إعلامها واحد أو متقارب. فاللهو غالب والهدم للقيم والأخلاق من خلال البرامج سائر واستهداف العقول الشابة كل ما يطرح، وارد، إنه دس للسم فى الدسم. فالإعلام منهج ودراسة وقواعد. وأن تمتهن مهنة الإعلام كونك فقط هاويا فهذه أسس وركائز غير ممنهجة. على الإعلامى المحنك أن يتتلمذ على مناهج الإعلام منذ نعومة أظافره، حتى يصل إلى التخرج والتدريب وأن يتبنى رسالة هو من يؤمن بها أولا ومن ثم ينقلها للمجتمعات. فالإعلام سلاح، لكن من الضرورى ألا يكون سلاح من لا سلاح له. ومن هذا المنطلق علينا أن ندرك خطر الإعلام وأهميته، ونعمل على مواكبة الأساليب المتطورة فى هذا المجال ضمن حدود وقواعد وحرفية عالية. فنحن بحاجة إلى إعلام متوازن يعمل على التجديد فى الأسلوب والطرح؛ ليكون أكثر قبولاً لدى مختلف الشرائح فى العالم ويفتح قلبه وبرامجه لكل قلم صادق مبدع. لمزيد من مقالات مهره سعيد المهيرى