يعتبر النظام التعليمى الرافد الاساسى فى الحفاظ على الهوية الثقافية وبناء الثقافة الوطنية لأبناء المجتمع، وبما أن لكل أمة شخصيتها المميزة، ولها عقائدها وقيمها كما أن لها طبيعتها ونفسيتها، والأهم تاريخها بكل ما يحمله من كفاح . وهذه هى الاسس التى تعتمد عليها المنظومة التعليمية فى وجودها وتطورها ، إذن لكل أمة أيضا نظامها التعليمى وأهدافها التربوية التى تسعى من خلالها لإعداد مواطنين صالحين ، وهذا يعنى أن النظم التعليمية غير قابلهة للنقل والاستيراد من اى مجتمع لآخر، فلا يجوز استيراد نظامً تعليمى من الخارج مهما كان تطوره، ولذلك سعدت كثيرا وأنا أتابع كلمات الرئيس السيسى خلال لقائه أعضاء المجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى .عندما شدد على أن صياغة الاستراتيجية القومية للتعليم يجب أن تأخذ فى الاعتبار أهمية الحفاظ على القيم الأصيلة والابعاد الأخلاقية للمجتمع المصرى، وذلك لحماية المجتمع والحفاظ على استقراره ولعل ما ذكرناه هنا يدفعنا للتساؤل، هل يتفق ما يحدث فى الساحة التعليمية فى مصر ومع ما ينادى به سيادة الرئيس؟ حيث يترك تنشئة الأجيال القادمة ، وصياغة العقول وتكوين المواطنة إلى نظام تعليمى قائم على فكر وقيم وفلسفة اجنبية؟! هل استيراد الدولة نظما تعليمية أجنبية يتفق مع امن واستقرار المجتمع ؟! لا أتحدث هنا عن المدارس الأجنبية التى انتشرت فى مصر منذ تسعينيات القرن الماضى وتتبنى مناهج دولية ( امريكية كندية فرنسية انجليزية ) التى أنشأها رجال الأعمال وكبار المستثمرين، لتضم أبناء الطبقة العليا فى المجتمع ، فهذه المدارس الدولية منذ نشأتها مؤسسات استثمارية هدفها الربح، ولقد رفض التربويون هذه المدارس وتخوفوا من الآثار المترتبة من انتشارها على وحدة وتماسك الوطن، لكن كان الرد دائما انها تمثل اعداداً قليلة ومحدودة، ومع ذلك كان الأمل بعد قيام ثورتين أن تواجه الحكومة هذا الاستيراد الآلى غير المدروس للنظم التعليمية الأجنبية، والذى أنتشر فى ظل غياب هيئة رقابية وطنية عليا مختصة، وكان نتاج ترهل الدولة وتفاقم مشكلات التعليم، فإذا كانت السبعينيات تعتبر السداح المداح الاقتصادى فإن التسعينيات بداية السداح مداح التعليمى، وبدلا من أن تقف الدولة فى وجه حالة الانبهار بالتعليم الأجنبى والحد من توسع المستثمرين ،وتقنين اوضاع المدارس الحكومية التى تتبنى منهجا غير واضح المعالم تحت مسمى المدارس الذكية، إذا بها تدخل كمنافس للقطاع الخاص فى انشاء المدارس الدولية ويظهر هذا فى إعلان وزير التربية والتعليم عن افتتاح أول مدرسة دولية حكومية تطبق مناهج البكالوريا الدولية IB بأسعار فى متناول أبناء الطبقة الوسطى !! لقد كنا ننتظر من الوزارة وضع الخطط والاستراتجيات لتطوير التعليم من ثوابت الامة وكنا ننتظر أن تضع الحكومة استراتيجية تربوية تجعل من نظام مصر التعليمى نظاما دوليا كما حدث فى ماليزيا . كنا ننتظر من الوزارة أن تقوم بتوفير الحد الادنى من الجودة فى المدارس الحكومية الفقيرة ، ولكن بدلا عن ذلك سلكت الوزارة اسهل الطرق وهو استيراد نظام تعليمى جاهز بل و تضع الخطط المستقبلية من أجل التوسع فى هذا النوع على اعتبار أنه تعليم المستقبل لابناء الوطن!!. ليس من المعروف الدراسات التى اعتمد عليها سيادة الوزير للتوسع فى هذا النوع من التعليم ، أو من الذى اقنع سيادته أن التطوير يأتى من خلال استيراد نظم تعليمية اجنبية جاهزة؟ فإذا كان الحال كذلك لقامت دول العالم باستيراد النظم التعليمية التى تحتل المراكز الاولى فى العالم ، سواء أكان من فنلندا أو اليابان. وإذا كان استيراد النظم التعليمية الأجنبية هو الحل فما الداعى لكل مراكز البحوث ولجان وضع الخطط الاستراتيجية !!!. لن أعيد ما سبق الإشارة اليه من الآثار المترتبة على انتشار التعليم الاجنبى بل سوف اضع امام القارئ بعض الحقائق واترك له الحكم : من المسلمات التربوية أن لكل نظام تعليمى ثقافته وفلسفته التى تتجلى فى الأهداف التى تضعها الدولة والتى تعد المواطن لأن يكون عضوا صالحاً. وتنص معظم الاستراتيجيات التى وضعها الوزراء عبر العقود الماضية على أن أهداف التعليم المصري، تأكيد بناء الشخصية المصرية القادرة على مواجهة تحديات المستقبل ، تدعيم وتعميق القيم الاجتماعية وغرس شعور الانتماء الوطنى والقومى فى نفوس النشْء وذلك من خلال تشبع النظام التعليمى بمقومات الثقافة والشخصية المصرية. أما الهدف من برامج البكالوريا الدولية فهو كما يلى : إعداد أفراد يُفكرون بعقلية دولية ويُسهمون فى خلق عالم أفضل وأكثر سلاماً. من خلال إ دراكهم أنهم يشتركون مع الآخرين فى الطبيعة إلا نسانية وفى تعهد الأرض والوصاية عليها. من أهم اسس الفلسفة التعليمية للبكالوريا الدولية ، تصف بدقة طموحات المجتمع العالمى الذى يتشاطر القيم التى تُشكِّل وكما تصف سمات ونتائج التعليم الذى يهدف إلى تحقيق العقلية الدولية . تؤكد اهداف شهادة البكالوريا التعليمية على أهداف العولمة التى تسعى إلى تكوين المثقف العالمى الذى يتشرب ويتبنى المعايير الدولية ويحاول تطوير المعايير المحليه لتلائم المعايير الدولية ويتناول المشتركات فى الحضارة العالمية وذلك بغض النظر عن خصوصيات الثقافة والهوية الخاصة لكل مجتمع وامة . وهناك العديد من البحوث والدراسات التى تناولت الآثار المترتبة على الاستعانة بالنظم التعليمية الاجنبية، وإذا كانت الدراسات المصرية لا تكفى فالبحوث العالمية متوافرة وتسمى ابناء المجتمعات المستعيرة لنظم اجنبية ابناء الثقافة الثالثة . تتجاوز تكلفة المدرسة الدولية الواحدة 52 مليون جنيه مصرى ؟!!فى حين لايتجاوز عدد طلابها بضع مئات ! إن ما يزعجنى حقا هو صمت اساتذة التربية غير المبرر امام هذه الاتجاهات المخالفة لكل المتعارف عليه تربويا ووطنيا . خبير تربوى لمزيد من مقالات د. بثينة عبد الرؤوف رمضان