بدون مقدمات وبعد أيام قليلة من توليه مهام منصبه شن روبرت هانيجان المدير الجديد لجهاز الاتصالات الحكومية وهو أحد وكالات المخابرات البريطانية هجوما على مواقع التواصل الإجتماعى على شبكة الإنترنت، مؤكدا أن موقعى "تويتر" و"فيسبوك" من أكثر المواقع أهمية لدى المنظمات الإرهابية المتشددة بدرجة تستدعى أن يقدم عملاقا التكنولوجيا الأمريكية تنازلات للأجهزة الأمنية تتيح دخولا أوسع نطاقا إلى محتويات الموقعين بما يتيح للحكومات الغربية تعطيل ومنع الهجمات الإرهابية والعمليات التخريبية قبل وقوعها. أما لماذا هاجم المدير الجديد لجهاز الاتصالات الحكومية التابع للمخابرات البريطانية، والمسئول عن تقديم مؤشرات مخابراتية ومعلومات دقيقة للحكومة البريطانية والجيش بهدف تأمين بريطانيا فى مواجهة مخاطر دنيا الاتصالات الحديثة، كلا من "تويتر" و"فيسبوك" تحديدا؟ وماعلاقة تلك المواقع بالإرهاب فتعود إلى عدة أحداث وإكتشافات متتالية قادت إلى هذا الصدام. صدام تبدأ القصة بحدث مهم فى نهاية شهر يناير عام 2014 عندما فوجئ البريطانيون والعالم بنبأ تقديم السير أيان لوبان إستقالته من منصبه كرئيس لجهاز الاتصالات الحكومية التابع للمخابرات البريطانية بعد خمس سنوات قضاها على رأس الجهاز. وقتها أشارت وسائل الإعلام إلى أن الاستقالة جاءت نتيجة تسريبات إدوارد سنودن الموظف السابق لدى المخابرات الأمريكية. ونقلت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" البريطانية عن مسئولين فى الخارجية البريطانية قولهم إن السير "أيان" سيقدم إستقالته في إطار خطوة تم الإعداد لها مسبقا، وانكروا أى علاقة للإستقالته بتسريبات سنودن. وذكرت الوزارة أن "السير أيان لوبان يقوم بعمل رائع فى منصبه كمدير لجهاز الاتصالات الحكومية. وسنبدأ اليوم عملية لضمان وجود خليفة مناسب فى مكانه قبل استقالته كما هو مقرر لها". وكان السير أيان لوبان قد وجد نفسه فى دائرة الضوء والإنتقادات بعد أن كشفت تسريبات سنودن أن وكالته جمعت بيانات ضخمة من البريد الإلكترونى للمواطنين، بالإضافة إلى تسجيل المكالمات الهاتفية وتجسست على الأشخاص باستخدام تطبيقات الهواتف الذكية. ودافع السير أيان لوبان عن وكالته فى ظهور عام نادر أمام لجنة برلمانية. حيث حذر خلال هذه الجلسة من أن أمن بريطانيا فى خطر بسبب هذه التسريبات وتحليلات وسائل الإعلام لها. وتضمنت تسريبات إدوارد سنودن ما يفيد تورط المخابرات البريطانية فى عملية تعقب نشاطات مستخدمى موقع "فيسبوك" وموقع "يوتيوب". وكرد فعل على ما تم إعلانه، قررت شركة "فيسبوك" تشفير بياناتها، بينما لم تعلن جوجل و يوتيوب وبلوجر عن أى إجراء. وفى شهر أبريل 2014 أعلن وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيج، تعيين روبرت هانيجان، مديرا لمكتب الاتصالات الحكومية، خلفا للسير أيان لوبان الذى تقرر أن يغادر فى شهر أكتوبر. وعلق هيج، قائلا: "أنا سعيد بتعيين روبرت هانيجان كمدير لمكتب الاتصالات الحكومية، فبجانب مواهبه الشخصية الرائعة، فإن هانيجان يمتلك ثروة من الخبرات فى مجال الأمن القومى وفى مكافحة الإرهاب والعلاقات الدولية". هجمة القيادة الجديدة وبحلول بدايات نوفمبر 2014 تولى روبرت هانيجان مهام منصبه الجديد. وبعد ساعات من توليه مهامه رسميا بدأ هانيجان هجومه. فقد أكد المدير الجديد أن "الخصوصية لم تكن أبدا حقا مطلقا بلا سقف". وأشار بأصابع الإتهام إلى الشركات الأمريكية مثل شركات "تويتر" و"فيسبوك" وبرنامج "واتس اب" لإعتقاده بأنها تعيش حالة إنكار لتورطها "عن غير قصد" فى القيام بدور "شبكات القيادة والسيطرة التى يستخدمها الإرهابيون فى عملهم! وكتب هانيجان مقالا نشرته الصحف البريطانية ان تنظيم القاعدة والإرهابيين فى الماضى استخدموا الإنترنت كموقع لنشر المواد بصورة سرية مجهولة ولعقد لقاءات فى الظلام، ولكن تنظيم "داعش" والتابعين له أصبحوا يستخدمون الشبكات الاجتماعية الآن بصورة مباشرة لإيصال وتبادل رسائل "بلغة يفهمها أقرانهم". واعترف بأن أجهزة المخابرات الغربية لاتستطيع التغلب على هذه التحديات بدون دعم من القطاع الخاص، بما فى ذلك شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة التى تسيطر على الإنترنت. وأكد هانيجان على عدة حقائق توصل إليها. فتنظيم "داعش" الإرهابى هو أول تنظيم إرهابى تربى ونشأ أعضاؤه على الإنترنت. فهم يستخدمون الإنترنت لعمل حالة خطر إرهابى على المستوى العالمى. وأوضح هانيجان أن تحليل طرق عمل تنظيم "داعش" أكدت أن التنظيم يختلف فى تعامله مع الإنترنت عن تنظيم القاعدة فى أمور رئيسية هى: إستغلال "داعش" للإنترنت فى مجال الترويج للتنظيم، وتهديد الجماهير، ومحاولة بث الفكر المتطرف فى عقول مجندين جدد يمكن أن يجذبهم إليه. كما حذر من أن “داعش” إستخدمت روابط خاصة بكأس العالم والإيبولا لبث عدد أكبر من رسائل التنظيم وجذب إنتباه أكبر عدد من رواد مواقع التواصل الإجتماعى فى الإنترنت، حتى أصبحت لديهم القدرة علي إرسال 40 ألف تغريدة عبر موقع تويتر فى اليوم متجاوزة كافة الإجراءات المخصصة لإعتراض تلك التغريدات!! وأصبح بإمكان التنظيم الوصول إلى الجماهير بشكل مباشر دون حاجة لإستخدام مواقع سرية أو كلمات مرور سرية. وفيما يتعلق بإستخدام التشفير إشار هانيجان إلى أن التشفير وإختراق الشفرة على الإنترنت أصبح أمرا طبيعيا من خلال برامج وتطبيقات مجانية مخصصة لهذا الغرض. ونبه هانيجان إلى أن الوقت قد حان لإتفاق الحكومات الديمقراطية وشركات التكنولوجيا فى مجال حماية المواطنين. مؤكدا أن هذا الإتفاق يجب أن تكون له مكانة عميقة فى القيم الديمقراطية التى تشترك فيها الدول الديمقراطية. وبعبارة أخرى “من الأفضل عقد هذا الإتفاق الآن بدلا من إنتظار تبعات أحداث عنف هائلة”. ويضعنا هذا الموقف الغريب بين وكالة مخابرات بريطانية عريقة من جانب ومجموعة شركات معلوماتية أمريكية كبرى من جانب آخر أمام إحتمالين. فمن المفترض أن تكون شركات المعلومات الأمريكية فى دولة هى الحليف الإستراتيجى والأمنى الأول لبريطانيا منذ عقود مضت. وهو ما يدفع إلى الإعتقاد بوجود تضارب بين مصالح الطرفين فيما يتعلق بسياسة الإتصال التكنولوجى العالمى وتوظيفها لخدمة أغراض كل من بريطانياوالولاياتالمتحدة مما أدى إلى تضرر طرف بريطانيا نتيجة سياسات الطرف الآخر أى الولاياتالمتحدة وشركاتها. أما الإحتمال الثانى فيتعلق بقدرات وسياسات الشركات الكبرى ذات الحجم الدولى المتعدى للجنسيات والعابر للقارات، حيث أصبحت مصالح تلك الشركات تتعارض بشكل متنامى مع مصالح الوحدات السياسية التقليدية المعروفة بالدول. تجدر الإشارة إلى أن الإرهاب يستخدم الإنترنت بكثافة فى عدة مجالات مثل : الحرب السيكولوجية، الدعاية والنشر، جمع وإستخلاص المعلومات التى تفيد الأنشطة الإرهابية، التمويل متمثلا فى جمع التبرعات والتداول النقدى، التجنيد والتعبئة للعناصر التابعة، والإتصال بين التنظيمات الإرهابية المختلفة، وتبادل المعلومات، وعمليات التخطيط والتنسيق.