عجبت لمن يبيع دينه من أجل دنيا الآخرين» .. عبارة قيل إن قائلها هو الإمام أحمد بن حنبل فى القرن الثانى الهجرى.. وما أحوجنا إلى استحضارها هذه الأيام.. بمناسبة الدعوة التى أطلقها البعض للخروج للتظاهر- رافعين المصاحف- بعد غد الجمعة. بعيدا عن أى رأى مسبق، أو عن تحيز لفئة، أو نفاق لحاكم أو مؤسسة، أو انتماء سياسى ما، أو مسعى لمصلحة خاصة ضيقة.. نريد أن نفكر فى الموضوع برويّة.. ونناقش هذه الدعوة بمنتهى الحياد والموضوعية.. ولنسأل تلك الأسئلة.. ولنجب عنها. السؤال الأول: ماالهدف من هذا الخروج؟ إن ما يقوله الداعون إليه هو أنهم خارجون لنصرة دين الله. ونعم بالله.. لكن هل سيؤدى هذا الخروج فعلا إلى نصرة دين الله؟ هنا سنرى وجهتى نظر؛ الأولى تقول نعم.. إذ الإسلام بات فى خطر، وينبغى الاحتشاد للدفاع عنه. عظيم. تأتى وجهة النظر الثانية لتقول: نصرة دين الله ضد من بالضبط؟ ضد جيشنا الوطنى ورجال الشرطة؟ وهل قتل الشرطة والجيش( وأغلب أبنائهما يشهدون بأن لا إله إلا الله وبأن محمدا رسول الله.. والمسيحى منهم يؤمن هو أيضا بالله) فيه انتصار لدين الله؟ الإجابة متروكة لك أنت.. فتخير من الإجابتين ما تريد! السؤال الثانى: فما الهدف من رفع المصاحف؟ هنا سنجد إجابتين؛ أولاهما تقول: نعم.. إذ المصحف هو كلام الله، وآن الأوان للعودة إلى كلام الله. عظيم. تأتى وجهة النظر الثانية لترد على ذلك قائلة: لا.. لا ينبغى أبدا تعريض المصحف لهذا الموضع، الذى فيه إهانة له واستهانة به. إن كلا الفسطاطين المتشاجرين مسلمان، ولا يصح أن يرفع مسلم مصحفا فى وجه مسلم مثله.. حيث أن المصحف يقرؤه الإثنان ويؤمنان بما فيه. إن المصحف الشريف- كما أنه لك- فهو أيضا عليك.. على اعتبار أن الآخر مسلم كما أنت مسلم! يا أحباب دين الله.. إن «الخناقة» هى خناقة سياسية بالأساس.. فلماذا إذن تدفع بالمصحف فى السياسة؟ لقد عانينا طوال التاريخ الإسلامى- منذ على ومعاوية- من هذا الصراع الذى أضعفنا وأذهب ريحنا.. فلماذا نصر دائما على تكرار أخطاء الماضى؟ أم أن بالنفوس أغراضا أخرى لا نعلمها؟ السؤال الثالث: هل الوضع فى مصر الآن يحتمل هذا الصراع؟ أليس من الأفضل أن نصبر ونهدأ قليلا ونحقن دماء بعضنا بعضا، حتى لو كان طرف من الأطراف- سواء بالحق أو بالباطل- يرى أنه مظلوم؟ هنا سنجد إجابتين؛ الأولى تقول: لا.. بل يجب طرق الحديد وهو ساخن لتحقيق أكبر مكسب ممكن فى ظل الاحتقان والضعف والاضطراب.. وإذن لنسع إلى زيادة هذا الاحتقان لأن البلد لو استقر وهدأ فإنك قد لا تجد لك مكانا فيه. وعلى الفور تأتيك الإجابة الثانية لتقول: لا.. بل يجب أن نعطى لبلدنا فرصة.. بعيدا عن الدم وعن الصراع.. فمن أدراك إذا هدأنا ألّا نخرج كلنا رابحين؟ لماذا يجب أن تدخل معركة غير مضمونة العواقب؟ السؤال الرابع: من هما بالضبط طرفا هذا الصراع؟ الإجابة الأولى تقول لك: إنهما الإخوان من ناحية والجيش والشرطة من ناحية أخرى. هنا تأتيك الإجابة الثانية لتسألك؛ أليس الذين فى الجيش والشرطة مصريين أولاد مصريين مثلهم مثلك بالضبط.. وهل يجوز لمصرى قتل مصرى؟ طيب.. إذا تقاتل الطرفان أليست مصر هى الخاسرة فى نهاية المطاف؟ فمن المستفيد بالضبط من خسارة مصر؟ أرجوك.. فكّر وتدبر! خلاصة القصة، أن العقل والحكمة والمنطق السليم.. كل ذلك هو الذى سينتصر فى النهاية.. إلا إذا أصر البعض على حرق المعبد بمن فيه.. وعلى رأس الجميع.. بمن فيهم هو نفسه.. والتضحية بهذا الشعب الصابر المسكين المكافح قربانا على مذبح مصالح خاصة يعلم الله وحده من وراءها.. فلمن ستنحاز؟ اجلس مع نفسك واحسبها. .. فإلى كل من يرغب فى التضحية بنفسه من أجل دين الله سل نفسك: أليس من الجائز- ولو بنسبة مئوية ما- أنك تضحى بدينك وروحك وأهلك من أجل دنيا «آخرين» يجلسون الآن متربصين متفكهين.. يشربون نخب خراب هذا البلد الطيب.. فلماذا نجعل من وطننا قربانا لرقصة آثمة على جثثنا يرقصها الآخرون؟ لمزيد من مقالات سمير الشحات