يخطيء من يعتقد أن «الخناقة» الكبيرة الدائرة الآن على أرض مصر هى بين مجموعة مارقة من الشعب وبقية الشعب. ويقع فى وهم «الاختزال» كل من يتصور أن الشجار المحموم الذى يسقط فيه أبرياء كل يوم دون جريرة أو ذنب هو شجار بين فصيل خرج عليه الشعب رافضا حكمه وبقية أبناء هذا الشعب. لا.. إن الموضوع أكبر من ذلك وأعم وأشمل. إنها خناقة منهج فى مواجهة منهج، وأسلوب تفكير يناقض تماما أسلوب تفكير آخر. ومن يرغب فى الوقوف على أصل الصراع فليقرأ بتمعن ما يسمى بوثيقة «فتح مصر»، التى عثروا عليها مع أعضاء «خلية مدينة نصر الإرهابية» التى تتم محاكمتها هذه الأيام أمام محكمة جنايات أمن الدولة العليا بأكاديمية الشرطة بالتجمع الخامس.. فماذا قالت الوثيقة، وأين هذا المنهج المخالف للمنهج الآخر؟. لسنا هنا فى معرض استعراض كل بنود الوثيقة، فلا مساحة النشر المتاحة لنا تسمح، ولا وقت القارئين. إن أهم ما تضمنته الوثيقة أشياء ثلاثة، أولها اسمها «فتح مصر»، وكأن مصر مازالت مغلقة أمام دين الله، ولم يدخلها الإسلام بعد! إن العقل الباطن الكامن وراء من أطلق هذا الاسم على تلك الوثيقة ولا نعرف إن كانوا من تنظيم القاعدة، أو بيت المقدس، أو من الجهاد، أو غيرها، فالأسماء عديدة والمنهج واحد! يشى بأن كاتب الوثيقة يرى أن مصر مازالت كافرة.. فهل مصر كافرة؟ طيب إن لم نكن نحن مسلمين فمن المسلمون إذن؟ وما الإسلام؟ أليس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ فكيف نكون كفارا ونحن نرددها كل يوم مائة مرة؟ وهل نحن كافرون وهذه مساجدنا تملأ الرحب فلا تكاد تتسع لمرتاديها؟ وهل نحن كافرون وليس منا من ينكر صياما أو زكاة أو طوافا حول البيت العتيق؟ نعم، رغم كل ذلك أنتم كافرون هكذا سنراكم دائما حتى لو رأينا دموع السجود تغرق مآقيكم كل فجر وكل عشاء.. يا له من منهج عجيب! وثانيا: تقول الوثيقة «إن جيوش الإسلام لا يتبعها وطن ولكن يتبعها الإسلام!» هنا بيت القصيد وأصل القصة فى هذا المنهج الخوارجي، الذى مهما فعلنا فسوف نظل فى نظره كافرين. وتضيف الوثيقة أن «الإسلام لا وطن له وكل الأرض موطنه». نعم.. تلك بديهية لا خلاف عليها، فالرسول المصطفى أرسله الله تعالى للناس كافة، لكن المشكلة هنا هى كيف تمارس انت الدعوة لهذا الدين؟ إن الإجابة فى كتاب الله واضحة جلية «فمن شاء فليؤمن.. ومن شاء فليكفر»، فما بالك والناس هنا يشهدون بأن الله واحد، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسوله؟ خلاص، انتهت. الدم صار محرما نهائيا، فعن أى جهاد الآن تتحدثون؟ ثم نأتى إلى الفرية الكبرى والافتراء الأعظم. تقول الوثيقة «جيوش المسلمين لا يتبعها وطن». عظيم، فما علاقة ذلك بذبح جنود الجيش المصرى «الغلابة أولاد الغلابة» وهم قائمون يؤدون صلاة الفجر؟ يا ناس اختشوا.. عيب. وماذا ستقولون للرحمن عندما تقفون بين يديه سبحانه فيسألكم: لماذا أهدرتم دماء عبادى وهم يسجدون لي؟ هل تجيبون: كنا نجاهد فى سبيلك لأن جيوش المسلمين لا يتبعها وطن ولكن يتبعها الإسلام؟ أما ثالثا. فتقول الوثيقة إن مصر جسد، أضعف ما فيه نهر النيل، وأقوى ما فيه العاصمة وبعض المحافظات، وإن من الضرورى استهداف قناة السويس، بحيث يتم اقتطاع سيناء ومعها منطقة البحر الأحمر لإقامة دولة الإسلام. إذن فمصر الآن فى عرفكم دولة كافرة، ويجب تقسيمها. وكما هو معروف فإن التقسيم هو بداية الفناء. ألا يذكرنا هذا بكلام مماثل ردده بعض من فى الغرب عقب حرب أكتوبر عن ضرورة تفتيت العرب إلى نيف ومائة دولة كى يسهل ابتلاعهم، ومن ثم التحكم فى منابع البترول، وضمان أمن إسرائيل إلى الأبد؟ هل ثمة رابط ما بين المنطقتين هنا؟ .. ببعض التفكير الهادىء المتعمق، سوف تكتشف سيادتك أن هذا المنهج لا علاقة له بدين، ولا بأخلاق، ولا بمروءة، وإنما هو دعوة حق يراد بها باطل. ولو فكر هؤلاء المساكين المخدوعون المضحوك عليهم، الذين يخرجون لتخريب بيوتهم وجامعاتهم وبلدهم بأيديهم، وتساءلوا: هل نحن فعلا بتلك الأفعال نعلى كلمة الله، ونرفع شأن الدين لوجدوا لقصة الدماء والغضب بعدا آخر غائبا عنهم. يا أحباب رسول الله.. إن ثمة أطرافا أخرى تستخدمكم من خلف الستار، وهى عديدة داخل البلاد وخارجها. وما الحل؟ بسيطة: إقرأوا دين الله «صح»، وسوف تجدون أن قتل نفس واحدة بغير حق كقتل الناس جميعا. هيا جميعا نوقف إراقة الدماء. لمزيد من مقالات سمير الشحات