يبدو أن السفارات الأجنبية فى مصر لا تزال تترنح تحت مظلة رسالة الرجل الابيض لتمدين الشعوب البدائية المتخلفة، والتى انتشرت فى القرن البائد. اذ يأبى معظم الدبلوماسيين الاجانب أن يتعاملوا مع المصريين أو يردوا على أسئلتهم التى أرى للأسف أن فى معظمها مشروعة وطبيعية وخصوصا لمن يسافر خارج القطر المصرى للمرة الأولى.. ويكتفى فى كل مرة أن ترد على مكالمتك رسالة تليفونية مسجلة تنصحك بأن تطلع على موقعهم الالكترونى والذى لا يختلف كثيرا عن القوالب الجامدة لتعليمات الرسالة المسجلة لآلة الرد على التفسيرات المطلوبة وكأنه من المفترض الا يكون للمصرى أى أسئلة تخرج عن ما هو مطروح على الموقع الالكترونى وعليه ألا يفكر الا فيما هو موجود على غرار الأيديولوجيات الشمولية الساقطة. ويبدو أن وزارة الخارجية المصرية كما فهمت من بعض الدبلوماسيين المصريين تعلم ذلك جيدا وترفض التدخل فى معظم الحالات لمن يواجه مشكلة ما مع السفارات الأجنبية بحجة أن ذلك عرف دبلوماسى ، وأنه ليس من حقها التدخل، ويبدو أن السفارات الأجنبية تعى جيدا أيضا قبول الدبلوماسية المصرية لدرجة سمحت لها أن تكتب فى استمارة التقديم للحصول على تأشيرة أن القنصلية لها الحق فى عدم تبربر سبب رفض التأشيرة للمصريين وأيضا حقهم فى عدم رد ثمن التأشيرة وكأنه عقاب لك كمصرى أنك أخذت من وقت الدبلوماسيين الاجانب الشرفاء فى تلك السفارات وأنت تعلم جيدا أنك لن تذهب إلى هذه الدول العريقة والعظيمة. ويعجز تفكيرى عن استيعاب مصداقية التغنى بحقوق الانسان والتمسك بصورة حقوق المواطن ومواطنو الدولة المصرية يذوقون الأمرين فى التحرك من دولة الى أخرى رغم التزام الدولة المصرية الكامل بتبنى هذا الحق بل وتطبيقه بكل أريحية على الأجانب الزائرين لمصر.. ودعونى أفتح ملف تأشيرات الدول الأجنبية للمصريين فى الخارج وتمادى الاستهانة التى يواجهها المصريون فى تلك السفارات، وفى داخل دولتهم فما بال الحكومة المصرية الموقرة بما يقابله المصريون فى الخارج حينما يذهبون لعقر دارهم؟ فلأى سبب جرؤت كمصرى أن تنوى السفر للخارج سواء للدراسة أو الزيارة، أو العلاج، أو العمل، أو حتى لحضور مؤتمرات - مع استبعاد بالطبع حقك فى السفر للسياحة اذ يعتبر ذلك درجة أقرب إلى الفجور تنظر لك هذه السفارات وقنصلياتها بعين الشك والريبة وكأنك متآمر لهدم حضارات العصور التى شيدتها هذه الدول العريقة متناسين أن الشرق مهد الحضارات ومنبعها..ومنذ اللحظة الأولى تواجه فى استمارات التقديم بسيل من الأسئلة الشخصية التى لا أعرف ما مغزاها لدى تلك السفارات كقيمة راتبك الشهرى الذى تتقاضاه من مكان عملك، ونسبة إنفاقك على أسرتك، وهل شريك حياتك يوافق على سفرك، وماهى تواريخ ميلاد أولادك وزوجك أوزوجتك، وتاريخ ميلاد أمك وأبيك واين ولدا وأقاما..؟ ومجموعة أخرى من الأسئلة المضحكة المبكية التى لاأعرف ما دخلها بتأشيرات الدخول الا لو أن هناك عرفا دبلوماسيا لم أدرسه يربط بين التأشيرات واسم الأم ومكان ميلادها. تلك الأسئلة التى من ناحية مستهجنة تماما وفقا للأعراف المصرية، ومن ناحية أخرى تقودك الى محاكمات لو سألت عنها مواطن الدولة التى ترغب فى السفر إليها. يبدو أيضا أن بعض السفارات وعلى رأسها السفارة البريطانية فى مصر ترفض أن تقبل أن مصر فعلا بلد الأمان إذ حتى الآن لا تمنح القنصلية البريطانية فى القاهرة تأشيرات الدخول فى مصر بل يجب أن تسافر تلك الجوازات المصرية إلى القنصلية البريطانية فى أبوظبى ولا اعرف سببا لذلك الا لو أن الامارات هى اقرب الدول جغرافيا وليس فقط سياسيا لمصر.. وتناست الحكومة المصرية أن ذلك اعتراف واضح وصريح بسوء الوضع الأمنى فى مصر. ليس هذا فقط بل لا تستطيع أنت كمواطن مصرى أن تتحدث الى أحد الدبلوماسيين البريطانيين للسؤال وجها لوجه، بل عليك أن ترسل سؤالك عبر شبكة الانترنت وإلى مايسمى مركز التأشيرات والذى للأسف لا أعرف ما كنه هذا المكتب وماهى جنسية العاملين فيه، وهل تعلم الداخلية المصرية عنهم شيئا، بل هل سمحت لهم الخارجية المصرية بجمع جوازات سفر أعضائها من الدبلوماسيين وحاملى الجوازات الخاصة اذا تجاوزوا وقرروا السفر فى مهام الى انجلترا؟ وهل ارتضت أن يترك موظفوها من الدبلوماسيين والإداريين ومن منحتهم مشكورة جوازات سفر خاصة وجوازات سفر المهام، جوازات سفرهم تلك لهذا المكتب وان تسافر كل تلك الجوازات الرسمية الى دولة الامارات وتظل لمدة عشرين يوما فى أحسن الظروف لأن القنصلية البريطانية لا تعمل فى القاهرة؟؟ وهل هناك من يخبر المواطن العادى فى مصر ما هى مهام الفنصلية البريطانية فى مصر، اذا لم تكن مسئولة عن التأشيرات؟ وهل تعلم وزارة الداخلية الموقرة بهذا الأمر وبأن السفارات الاجنبية تأخذ بصمات المصريين المسافرين للخارج ليس داخل مبانى السفارات ولكن من خلال شركات وسيطة؟ متى ستعلم الحكومة وخارجيتها أن الإساءة للمصريين وتركهم أمام السفارات الأجنبية كالمتسولين لن يضر المصريين العاديين فقط، بل سيعم فى القريب العاجل ويلحق الدبلوماسين أيضا.. وعلى الخارجية أن تراجع إجراءات منح تاشيرات المملكة المتحدة حاليا للدبلوماسيين المصريين ولحاملى جوازات السفر الخاصة للتأكد أن الأمر ليس محصورا على جوازات السفر العادية، وأنه لوحتى كانت للعادية، فإن الحكومة المصرية ليست حكومة الدبلوماسيين وحاملى الجوازات الخاصة.. فسفر أى جواز سفر لمصرى لكى يحصل على التأشيرة خارج دولته مؤشر خطير وتكريس لرسالة سوء الأحوال فى مصر وهذا بالطبع يحتاج إلى مراجعة سريعة. ليت السفارة البريطانية فى مصر تعلم أن المصريين لا يحملون فيروس الايبولا وأن التعامل معهم وجها لوجه من قبل الدبلوماسيين البريطانيين لا يعنى انتقال أى عدوى إلى الأراضى البريطانية المقدسة، وأن مهام الدبلوماسى هو التعامل مع طالبى التأشيرات، لأن منحها لا يعنى أبدا منح صكوك الغفران، ولا دخول الجنات الغناء. ليت كل السفارات الأجنبية تعلم أن من يرفض من قبلها، عليه أن يعرف السبب الحقيقى وأن يكون فى الخارجية المصرية من يتابع، ويتحرى ويساعد المصرى,, ليتنا نحترم المصرى فى الداخل والخارج قبل أن يستعصى علينا جميعا أن نقنع المصرى أن يحترم خارجيته وحكومته والسفارات الأجنبية فى دولته. كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لمزيد من مقالات د. أمانى مسعود الحدينى